Las leyes psicológicas del desarrollo de las naciones
السنن النفسية لتطور الأمم
Géneros
شأن الأفكار في حياة الأمم
بعد أن بينا أن الأخلاق النفسية للعروق ذات ثبات عظيم، وأن تاريخ الأمم يشتق من هذه الأخلاق، وأوضحنا كيف يمكن العناصر النفسية أن تتحول مع الزمن بتراكمات وراثية بطيئة كما تتحول العناصر التشريحية للأنواع، وعلى مثل هذه التحولات يتوقف تطور الحضارات إلى أبعد حد.
والعوامل التي تؤدي إلى إحداث تغيرات نفسية متنوعة، فترى للاحتياجات وللمنافسة الحيوية ولبعض البيئات ولتقدم العلوم والفنون وللتربية وللمعتقدات وغيرها عملها، وقد خصصنا مجلدا واحدا
1
لدراسة شأن كل واحد من هذه العوامل فلا نرى تفصيلها هنا، وإذا ما عدنا إليها في هذا الفصل وفي الفصول الآتية فلكي نثبت وجه عملها باختيارنا بعض العوامل الجوهرية.
وتثبت دراسة مختلف الحضارات التي تعاقبت منذ بدء العالم أن هذه الحضارات مسيرة في نشوئها بعدد قليل من المبادئ الأساسية، ولو رد تاريخ الأمم إلى مبادئ هذه الأمم ما بدا طويلا أبدا، وإذا ما وفقت الحضارة في قرن واحد لإحداث مبدأين أو ثلاثة مبادئ أساسية موجهة في ميدان الفنون أو العلوم أو الآداب أو الفلسفة أمكن عدها ذات نضارة استثنائية.
ولا تكون المبادئ ذات عمل حقيقي في روح الأمم إلا إذا هبطت بنضج بطيء جدا من مناطق الفكر المتحولة إلى المنطقة الثابتة اللاتنبهية للمشاعر حيث تنضج عوامل سيرنا ، وهنالك تغدو تلك المبادئ عناصر أخلاق فتقدر على التأثير في السير، والأخلاق تتكون من بعض الوجوه من تنضد المبادئ اللاشاعرة.
وإذا ما نضجت المبادئ نضجا بطيئا عظم سلطانها لما لا يبقى للعقل من سيطرة عليها، ولا يؤثر في المؤمن، الذي يستحوذ عليه مبدأ ديني أو غير ديني، أي معقول مهما كان الذكاء الذي يفترض له، وكل ما يمكن أن يحاوله هذا المؤمن، وهو لا يحاوله في الغالب، هو أن يدخل بحيل فكرية وبتشويهات كبيرة في الغالب المبدأ الذي يعارض به إلى منطقة المبادئ المسيطرة عليه.
وإذا ثبت أن المبادئ لا تكون مؤثرة إلا بعد هبوطها من دوائر الشعور إلى دوائر اللاشعور أدركنا السبب في أنها لا تتحول إلا ببطء كبير، وفي أن المبادئ الموجهة للحضارة قليلة العدد إلى الغاية، وفي أنها تتطور في زمن طويل، ولنا أن نهنئ أنفسنا بأن الأمر كذلك، وإلا لم تسطع الحضارات أن تكون ذات ثبات، ومن حسن الحظ أيضا أن المبادئ الجديدة تنتحل مع الوقت، ولو كانت المبادئ القديمة ثابتة ثباتا مطلقا لم تحقق الحضارات أي تقدم كان، ولما عليه تحولاتنا النفسية من بطوء وجب انقضاء عدة أجيال ليتم الفوز للمبادئ الجديدة، ووجب انقضاء عدة أجيال أيضا حتى تزول هذه المبادئ. وأشد الأمم تمدنا هي الأمم التي تجلت فيها الأفكار الناظمة على مقياس واحد من التحول والثبات، والتاريخ حافل ببقايا الأمم التي لم تقدر على حفظ هذا التوازن.
وليست كثرة المبادئ وجدتها هما اللتان تقفان النظر عند البحث في تطور الأمم، بل الذي يقف النظر هو قلة تلك المبادئ المتناهية وبطء تحولاتها والسلطان الذي تزاوله، وتنشأ الحضارات عن بعض المبادئ الأساسية، وإذا ما أقبلت هذه المبادئ على التغير غدت الحضارات مقضيا عليها بالتحول، وقد قامت القرون الوسطى على مبدأين رئيسين: المبدأ الديني والمبدأ الإقطاعي، وعن هذين المبدأين صدرت فنون تلك القرون وآدابها وطراز نظرها إلى الحياة كلها، ثم حل عصر النهضة فطرأ على ذينك المبدأين بعض التغيير؛ فقد فرض المثل الأعلى للعالم الإغريقي اللاتيني سلطانه على أوربة، فلم تعتم أن صرت تبصر تحولا في وجه النظر إلى الحياة، وتحولا في الفنون والفلسفة والآداب، ثم تزعزع سلطان التقاليد فقامت الحقائق العلمية مقام الحقيقة المنزلة بالتدريج، فأخذت الحضارة تتحول مجددا. واليوم يظهر أن المبادئ الدينية القديمة فقدت شيئا من سلطانها فصارت تلوح بوادر انهيار النظم الاجتماعية التي تستند إليها.
Página desconocida