Las leyes psicológicas del desarrollo de las naciones
السنن النفسية لتطور الأمم
Géneros
نعم، إن فن العمارة وفن النحت وليدا احتياجات وأهواء لا ريب، ولكن من الواضح أنهما لا يعبران عن أفكارنا الحديثة، ومما يثير عجبي ما كان يأتي به متفننونا في القرون الوسطى من الآثار الساذجة حين كانوا يصورون القديسين ويسوع والجنات وجهنم، حين كانوا يصورون أمورا أساسية في ذلك الزمن، أمورا كانت تعد أغراض الحياة الرئيسة آنئذ، بيد أن المصورين الذين أصبحوا عاطلين من تلك المعتقدات، إذا ما ستروا جدرنا بالأساطير الابتدائية أو بالرموز الصبيانية محاولين الرجوع إلى فن زمن آخر، لم يكونوا قد صنعوا بذلك غير تقليد هزيل لصور لا فائدة منها للحاضر وتكون عرضة للازدراء في المستقبل.
والفنون الحقيقية الوحيدة، والفنون الوحيدة التي تعبر عن دور ما، هي التي يعرض بها المتفنن ما يشعر به وما يراه بدلا من اقتصاره على تقليد أشكال تلائم ما لا وجود له في الساعة الحاضرة من الاحتياجات أو المعتقدات، وما في أيامنا من تصوير صادق وحيد يقوم على نقل الأشياء التي تحيط بنا، وما في أيامنا من فن عمارة صادق أيضا هو شيد بيت ذي طبقات خمس، وإنشاء قنطرة، وإقامة محطة لخط حديدي، ويلائم هذا الفن النفعي احتياجات حضاراتنا وأفكارها، وهذا الفن هو من مميزات هذا الدور كما كان الفن الذي شيدت به الكنيسة القوطية والقصر الإقطاعي من مميزات الماضي، وسيكون للفنادق العصرية الكبرى وللكنائس القوطية القديمة فائدة متساوية عند عالم الآثار في المستقبل؛ لما ستعدان به صفحات متعاقبة لتلك الكتب الحجرية التي يتركها كل عصر خلفه، على حين يزدري هذا العالم ما يأتي به المتفننون المعاصرون تقليدا من الآثار الهزيلة؛ لأنه ليس من الوثائق المفيدة.
وكل فن يلخص ما لأحد الأدوار وأحد العروق من المثل الأعلى، ولما بين الأدوار، وكذلك العروق، من اختلاف وجب اختلاف المثل الأعلى باستمرار، وإذا ما نظرت إلى المثل العليا من الناحية الفلسفية وجدتها متساوية، وسبب هذا التساوي هو في كونها ليست سوى رموز مؤقتة.
إذن، تمثل الفنون المظهر الخارجي لروح الأمة التي ابتدعتها كما تمثلها جميع عناصر الحضارة الأخرى، غير أن الفنون هي - كما قلت غير مرة - بعيدة من أن تكون أصدق مظهر لروح الأمم.
وكان البرهان ضروريا؛ وذلك لأن أهمية أحد عناصر الحضارة هي مقياس لقدرة الأمة على تحويل العنصر عندما تقتبسه من أمة أجنبية، وإذا ما تجلت شخصية الأمة، مثلا، في الفنون على الخصوص، فإنها لا تنقل النماذج المستوردة من غير أن تطبعها بطابعها الخاص، وهي، بالعكس، لا تحول العناصر التي لا تعبر عن عبقريتها غير تحويل قليل؛ ومن ذلك أن الرومان حينما انتحلوا فن عمارة الأغارقة لم يحولوه تحويلا أساسيا؛ لعدم تجلي روحهم في المباني.
ومع ذلك فإنه لا مناص للفن من معاناة تأثير البيئة في قليل قرون، ومن أن يكون على الرغم منه تقريبا عنوان العرق الذي انتحله حتى عند مثل تلك الأمة العاطلة من فن عمارة خاص، والمضطرة إلى البحث عن نماذجها ومتفننيها في الخارج، ولا ريب في أن المعابد والقصور وأقواس النصر والنقوش البارزة في رومة القديمة هي من صنع الأغارقة أو من صنع تلاميذ الأغارقة، غير أن سمة هذه المباني وغايتها وزخارفها، وسعتها أيضا، لا تثير فينا ذكريات العبقرية الأثنية الشعرية اللطيفة، بل تثير فينا فكر القوة والتغلب والروح الحربية الذي كان يقيم رومة ويقعدها، وهكذا ترى أن العرق، حتى في الميدان الذي لا تبدو فيه شخصيته كثيرا، لا يخطو خطوة من غير أن يترك أثرا خاصا به فينم هذا الأثر على شيء من مزاجه النفسي وفكره الباطني.
وبيان ذلك أن المتفنن الحقيقي، معماريا كان أو أديبا أو شاعرا، ذو ملكة سحرية يعبر بها في تراكيبه عن روح أحد العروق أو أحد الأزمان، وإذ كان المتفننون كثيري الانفعال، غزيري اللاشعور، مفكرين بالصور على الخصوص، قليلي التعقل؛ فإنهم يكونون في بعض الأدوار مرايا صادقة للمجتمع الذي يعيشون فيه، فتكون آثارهم أصح الوثائق التي يستند إليها في تصوير إحدى الحضارات، وهم يظلون من كثرة اللاشعور بحيث يبدون صادقين شديدي التأثر بالبيئة التي تحيط بهم فيعبرون بإخلاص عن الأفكار والمشاعر والاحتياجات والمناحي، وليس لدى المتفننين حرية، وفي هذا سر قوتهم، والمتفننون مسجونون في شبكة من التقاليد والأفكار والمعتقدات التي يتألف من مجموعها روح أحد العروق وأحد الأزمنة؛ أي مسجونون في تراث من المشاعر والآراء والإلهامات العظيمة التأثير فيهم؛ لسيطرتها على مناطقهم اللاشعورية الغامضة حيث تنضج أعمالهم، ولو لم تكن هذه الآثار لدينا لاقتصرت معارفنا بالقرون الغابرة على ما جاء في الأقاصيص السخيفة، وعلى ما ورد في كتب التاريخ من تلفيق مصنوع، ولغدا ماضي كل أمة بذلك أمرا خافيا علينا تقريبا كأمر هذه الأطلنتيد الحافلة بالأسرار والتي غمرتها الأمواج فتكلم عنها أفلاطون.
إذن، مزية الأثر الفني الصحيح هي في التعبير بإخلاص عن احتياجات الزمن الذي ولد فيه وعن أفكاره، ولا تزال الآثار الفنية؛ ولا سيما المباني، أبلغ من جميع اللغات التي تخبرنا بالماضي، وتلك الآثار هي أصدق من الكتب وأقل تصنعا من الديانات واللغات، وهي تعبر عن المشاعر والاحتياجات معا، والبناء هو المنشئ لمنزل الإنسان وبيت الآلهة، والواقع هو أن في سواء المعبد والدار تنضج الأسباب الأولى للحوادث التي يتألف التاريخ منها.
ومن الملاحظات السابقة يمكننا أن نستنتج أن العناصر المختلفة التي تتألف منها الحضارة إذ كانت عنوان روح الأمة التي ابتدعها يعبر بعض هذه العناصر الذي يتغير بحسب العروق، ويتغير بحسب الأزمنة أيضا، عن روح العرق أحسن من سواه.
ولكن طبيعة هذه العناصر، إذ كانت تختلف بين أمة وأمة وبين دور ودور، لا نجد منها عنصرا واحدا يصلح أن يكون مقياسا عاما لتقدير مستوى مختلف الحضارات.
Página desconocida