موضوع الكتاب:
غرس الله في قلوب الآباء محبة الأولاد والشغف بهم، فلا تكاد تجد أبا أو أما إلا وهو متعلق بأولاده، كلف بهم، مهما بلغ جفاء قبله وخشونة أخلاقه، وقد أشار إلى ذلك المولى جل وعلا في كتابه الكريم بقوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾ [سورة آل عمران الآية ١٤] وقوله: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [سورة الكهف الآية ٤٦] .
وقال مذكرا خلقه بهذه النعمة وممتنا عليهم بها: ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [سورة الإسراء الآية ٦] . وقال: ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ﴾ [سورة الشعراء الآية ١٣٣] . وقال: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ [سورة نوح الآية ١٢] .
حتى بلغت الشفقة بالآباء أن ذهب يعقوب ﵇ يوصي أولاده بقوله: ﴿يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ﴾ [سورة يوسف الآية ٦٧] . مع أنه ﴿مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾ [سورة يوسف الآية ٦٨] .
وذهب نوح ﵇ يدعو ابنه إلى الركوب معه في السفينة فقال: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة هود الآية ٤٢] .
ثم سأل الله تعالى أن يرده إليه: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [سورة هود الآية ٤٥] .
وابتلى الله إبراهيم ﵇ بذبح ابنه ووحيده إسماعيل ﵇ ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ [سورة الصافات الآية ١٠٢]؛ ليمتحن صبره وجلده على أقدار الله فكان من الصابرين المتحسبين، وقد وصف الله ذلك بأنه بلاء مبين ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ [سورة الصافات الآية ١٠٦] .
من هذا نلمح مدى ما يتمتع به الأولاد من مكانة عالية في نفوس أهليهم، ولذلك فالابتلاء فيهم له وقع شديد على النفوس، وأثر لا تمحوه الأيام، إلا من تذرع بالصبر، وفوض أمره إلى الله كما قال يعقوب ﵇: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [سورة يوسف الآية ٨٦] .
1 / 3