فيا ليت نفسي كانت لأنفسهم فداء، ووجهي لأوجههم وقاء، فلو أن عين الرسول عاينت سبطه وقد تحوطت عليه بقية الأحزاب، وأحاطت به كتائب كفرة الكتاب، وهو يذكرهم بآيات الله، ويحذرهم من سخط الله، ويورد عليهم الحجة، ويوضح بهم المحجة، ولا يزدادون من عظته إلا نفورا، ولا من تذكرته إلا غرورا، وراموا منه خطة لا تليق بمثله، وطلبوا منه خصلة لا تحسن بفرعه وأصله.
فأبى أبو الاسد الهاصرة (1)، أو الليوث الحاسرة (2)، وقدم بينه وبين الله أفراطا بين يديه، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبذلوا الوسع في طاعة ربهم ووليهم، واستشعروا الصبر في نصرة ابن نبيهم، يرون القتل في العز حياة، والحياة في العز قتل، كشف الله عن بصائرهم، وتجلى لهم في سرائرهم، فرأوا ما أعد لهم من السعادة الباقية (في جنة عالية قطوفها دانية - وقيل لهم:- كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) (3) فتلقوا رماح الأعداء بصدور بنيت على الاخلاص قواعدها، وبقلوب بنيت على الايمان عقائدها، وقابلوا صفاح الأشقياء بوجوه طالما أحيت ليلها بسجودها وركوعها، وأرضت ربها بتهجدها وخشوعها، محامية عن ابن إمامها ورسولها، تابعة أمر هاديها ودليلها، كل منهم قد أرضى بتصمم عزيمته إلهه وربه قائلا: اليوم
Página 56