عِلْمٌ، فَلَهُ عُلُومٌ لاَ نهايةَ لَهَا، وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ يُجْرِيهِ فيِ الكَلاَمِ وَالقُدْرَةِ، وَسَائِرَ الصفاتِ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا دَخُولُ مَا لاَ نهايةَ لَهُ في الوجودِ، وَيَسْتَحِيلُ حَصْرُ مَا لاَ يَنْحَصِرُ، ودخولُ مَا لاَ تَنَاهِيَ لَهُ في الوجودِ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ، وَمِنْهَا التمسكُ بالعقلِ، فَإِنَّ الدليلَ العقليَّ قَامَ على وجوبِ اتحادِ كُلِّ صِفَةٍ لِلَّهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مُتَعَلَّقَاتُهَا، فَكَمَا أَنَّهُ عَالِمٌ بعِلِمْ ٍواحدٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ واحدةٍ عَلَى جَمْعِ الْمَقْدُرَواتِ، والعلومُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا حقيقةٌ واحدةٌ، وهي العلميةُ - فكذلكَ الكلامُ مُتَّحِدٌ لاَ كَثْرَةَ فِيهِ فِي نَفْسِهِ، بَلِ الكَثْرَةُ إِنَّمَا هِيَ في مُتَعَلَّقَاتِهِ الخارجيةِ، فَإِذَا تَعَلَّقَ بالمأمورِ سُمِّيَ أَمْرًا، وَبِالْمَنْهِيِّ سُمِّيَ نَهْيًا، وَإِنْ كَانَ بالنسبةِ إلى حالةٍ مَا فَهُوَ الخبرُ، فَاخْتِلاَفُ
التسميةِ بِحَسْبِ اختلافِ تَعَلُّقَاتِهِ، وليسَ راجعًا إلى نفسِ الكلامِ، بَلْ إلى أمرٍ خارجٍ عَنْهُ، ولهذا لَوْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ هَذِهِ لمَ ْيَرْتَفِعْ نَفْسُ الكلامِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَجْمَعَ العقلاءُ على انقسامِ الكلامِ إلى أمرٍ، ونهيٍ، وخبٍر، وغيرِ ذلكَ مِنَ الأنواعِ.
فالجوابُ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لهذا الإشكالِ الْتَزَمَ الأستاذُ رَدَ جميعِهَا إلى الخبرِ لِيَنْتَظِمَ لَهُ القَوْلُ بالوحدةِ، فَقَالَ: الأمرُ خَبَرٌ عَنْ تَحَتُّمِ الفعلِ، والنهيُ خَبَرٌ عَنْ تَحَتُّمِ التركِ، وَكَذَا قَالَ الإمامُ فِي (الْمُحَصِّلِ) قَالَ: وَالاسْتِخْبَارُ إِخْبَارٌ عَنْ طَلَبِ شيءٍ مِنَ الْمُخَاطَبِ، والنداءُ خبٌر عَنْ أَنَّ المنادَى يَصِيرُ بَعْدَ النداءِ مُخَاطَبًا، وَذَكَرَ الآمِدِيُّ نَحْوَهُ، وَقَالَ: الاستخبارُ يَسْتَحِيلُ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلى التقديرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الخَبَرِ.
قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ تَعَلَّقَ بِمَا حُكِمَ بِفِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ يُسَمَّى طَلَبًا، وَإِنْ تَعَلَّقَ بغيرِهِ سُمِّيَ خَبَرًا.
وثانِيهَا: أَنَّا إِذَا قُلْنَا: لاَ يَتَّصِفُ في الأزلِ بكونِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا (٢٢ أ) وَخَبَرًا، وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بذلكَ عِنْدَ وُجُودِ المخاطَبِ زَالَ الإشكالُ، وَإِنْ قُلْنَا بِاتِّصَافِهِ في الأَزَلِ بذلكَ كَمَا - هو رَايُ الأَشْعَرِيِّ - فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ فِي نفسِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ، والاختلافُ فيه يَرْجِعُ إلى التعبيراتِ عنه بِحَسْبِ تَعَلُّقِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الكلامُ