فهو بعض الملك (1)، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة، وتعبد الملائكة - عليهم السلام - بحمله وتعظيمه، كما خلق سبحانه بيتا في الارض وأمر البشر بقصده وزيارته والحج إليه وتعظيمه، وقد جاء في الحديث أن الله تعالى خلق بيتا تحت
---
= (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية عل عروشها) (البقرة 260) يعني قصورها وبيوتها المسقفة، وبهذه المناسبة ومن غلبة الاستعمال صار (العرش) علما للدائرة الخاصة بملوك البشر على اختلاف أشكالها حسب اختلاف حضارة البشر في أدواره وفخامة الملك وسلطانه . وقد استعمل الوحي الالهي لفظة (العرش) على سبيل التجوز في دائرة ملك الله سبحانه الخاصة به وبملائكته المقربين، فعرشه كناية عن عالم الروحانيات، وما كان الحكماء الاقدمون يسمونه بعالم الملكوت، وسماه حكماء الاسلام بعالم الامر. وأما لفظة (استوى) وهي التي جعلت الاية من المتشابهات عند القوم، فمعناها التمكن التام والاستيلاء الكامل بدليل ما يظهر من آية: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) (المؤمنون: 28) أي: تمكنت، وآية: (فاستغلظ فاستوى على سوقه) (الفتح: 29) أي: تمكن واستقام، وآية: (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما) (القصص: 14) فالاستواء فيهن بمعنى التمكن التام دون الجلوس كما زعمت المشبهة، وكثير في محاورات العرب استعمال (استوى) بمعنى التمكن الاتم والاقتدار الكامل، كقول بعيث الشاعر: قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق يريد تمكنه التام، غير أننا نتوخى على الدوام تفسير القرآن بالقرآن والاهتداء منه إليه، وقد دلنا على معنى (العرش) كما دلنا على معنى (الاستواء) وأن الله سبحانه قد ظهر من خلقه للسموات والارض تمكنه التام واقتداره الكامل على عالم الارواح، أي: دائرة ملكه الخاصة به والمهيمنة عل عالم الاجسام ويؤيد ذلك: قوله تعالى بعد هذه الاية: (له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى) (طه: 6) مشيرا الى أنه استولى قبل كل شئ على عالم الملكوت والارواح، ثم تمكن بذلك من تملك عالم الناسوت والاجرام. وإن شئتم التفاصيل الكافية بأسرار العرش وآياته وحل سائر مشكلاته، فقد استوفينا كل ذلك في رسالتنا (العرشية). چ.
---
(1) بحار الانوار 5: 8.
--- [ 78 ]
Página 77