فلما دخلت عليه اللام للأمر، لحقه الجزم، فسقطت الألف، كما تسقط الحركة من الحرف الصحيح للجزم، وبقيت النون على فتحتها، ما دامت في الوصل، فإن وقف عليها ألحقت بها هاء الوقف، فقيل: لتعنه. والعامة تقول: اعن بحاجتي، كما تقول: ارض عني، فتجعل الفعل للمخاطب، وتضمر الفاعل في الفعل، على لغة من يقول: عنيت بالحاجة، وهي لغة ضعيفة وقد بينا ذلك في أول الباب.
وأما قوله: لتوضع في تجارتك، فليس في آخره حرف علة، فسكون العين علامة جزمه، وفاعله غير مسمى، والمخاطب غير مأمور، وتفسيره تفسير ما قبله.
وقوله: لتزه علينا مثل قوله لتعن. وأصله أيضًا تُزْهَى، فذهبت الألف، بدلًا من ذهاب الحركة للجزم. ولو سميت فاعله لقلت: زاهاه المال، وزهاه الكبر، ونحو ذلك؛ ففتحت أوله. وإذا أمرت الفاعل قلت: لتزه فلانا علينا أيها العلم، وأيها المال. وإنما تضم أوله، إذا كان مفعولًا لم يسم فاعله. وهكذا جميع هذا الباب؛ لأن لكل مفعول فاعلًا، ولا يكون مفعول بغير فاعل، فهذا علل هذا المثال من الفعل في هذا الباب.
* * *
وأما تفسير غريبه ومعانيه، فإنا نقول:
إن قوله: عنيت بحاجتك، معناه جعلت لي بها عناية، وصار بي حرص عليها. والعناية مصدر هذا اللفظ، فرق بينه وبين العناء، الذي هو التعب؛ لأنه أيضًا مصدر فعل/ من لفظه، وكلاهما يئولان إلى التعب والجهد والاهتمام؛ فلذلك فرق بين المصدرين منهما، وكان أحدهما تعبًا للبدن، والأخر تعبا للنفس والقلب. وقيل في أحدهما: أعنيت وتعنيت، وفي الآخر عنيت.
وأما قوله: أولعت بالأمر، فمعناه كمعنى: ألهجت به، وأغريت فغريت ولهجت، وعلى مثالهما قيل: ولعت ولعًا، لاتفاق معانيها كما تقول العامة، والفاعل من أولعت مولع، والمفعول مولع، بفتح اللام، كما قال الشاعر، وهو عنترة:
1 / 97