أن الذي يقابل ما كتب دانتي وما كتب ابن عربي يشهد اختلاط الشعر بالنثر عند الكاتبين، وقد بين رغبته في شرح قصائده في الحب كما فعل ابن عربي حين عزم على شرح قصائد «ترجمان الأشواق».
وذهب دانتي بعد موت حبيبته بياتريس (Beatrice)
إلى مكان منفرد فصادفته فتاة جميلة هام بها ولم يقدر على البوح بحبه فنظم فيها قصائد غرامية، ولما ذهب ابن عربي إلى مكة هام بفتاة أصبهانية فنظم فيها قصائده «ترجمان الأشواق».
51
وقد يمكن أن يقال: إن حرص المستشرقين على تعقب الأصول الفكرية هو الذي حملهم على تجسيم قوة ابن عربي في سيطرتها على دانتي.
ولكن الذي لا يمكن نكرانه أن ابن عربي شغل الناس في عصره وبعد عصره، وكان النصارى في الأقطار الإيطالية والفرنسية والإسبانية يتشوفون إلى المعارف الإسلامية؛ لأنها في الأغلب كانت تمس المسائل الميتافيزيكية، وكان النصارى في القرون الوسطى يهتمون بهذه المسائل ويجعلونها محور المجادلات في الكنائس والديارات.
قد تقولون: وأين ابن عربي اليوم؟ أين آثاره في الأدب والأخلاق؟
ونجيب بأن لابن عربي منزلة عظيمة في أوساط المستشرقين، وما كتب عنه في دائرة المعارف الإسلامية يشهد بأنه عندهم من أعاظم الرجال. أما في مصر فلم أر من كتب عنه بطريقة جدية غير الدكتور أبي العلا عفيفي، في بحثين نشرهما بمجلة كلية الآداب وهما بحثان جيدان لا يعاب عليهما غير الغموض. ولكن أثره في الجماهير الإسلامية خمد منذ زمان؛ ولم أسمع صداه إلا في مكانين، الأول: حين فتن به صديقي الأستاذ عبد الحفيظ خليفة، فقد حوله إلى رجل مجذوب، والثاني: حين اصطفاه أستاذنا الشيخ محمد شاكر فجعل فواتحه سجلا لمواليد أبنائه النجباء، تيمنا بما فيه من أدب ودين.
52
واقترحت مرة على الأستاذ الشيخ علي عبد الحميد مبارك أن ينتفع بكتاب الفتوحات في دروس الوعظ، فأجابني بأن مشيخة الأزهر تمنع ذلك: لأنها لا تريد أن تنقل إلى العوام دقائق علم التصوف، فقلت: انتفع بكتاب الإحياء، فقال: ولا كتاب الإحياء.
Página desconocida