ولكن ما الذي يمنع من أن نقرر أن فهمنا للذات الإلهية فهم ناقص أبشع النقص؟ ما الذي يمنع من أن نقرر أنه لا يبعد أن تكون الذات الإلهية تنظر إلى الأشياء على نحو ما ننظر، وتعقل على نحو ما نعقل، مع حفظ الفارق بين قوة الخالق وضعف المخلوق؟
وهل يقدح في عظمة الله أن يطرب للحسن وينفر من القبح؟ هل يقدح في عزة الله أن يرضى حين نحسن ويغضب حين نسيء؟ إن من شمائلنا المرضية أن نطرب للمحاسن ونجزع من العيوب، فكيف ننزه الله عما ارتضينا لأنفسنا من الشمائل والخصال؟
أنا أخشى أن يكون فيما ارتآه الصوفية فرار من الاكتراث بالتبعات، أخشى أن يكون في تنزيههم الله عن الرضا والغضب خروج إلى باحة الانحلال، وأرى أن الذين يقفون عند حدود الشرع أصلح وأسلم، فهم يتمثلون الله يرضى ويغضب، وهم يعملون للنجاة من غضبه والظفر برضاه، وما أراهم من المخطئين.
ولكن من نحن حتى نكيف القوة الإلهية؟ من نحن؟ من نحن؟ ألم أقل لكم إن هذه المسألة ستظل أبد الدهر من المشكلات؟
إن ابن عطاء نفسه لم يسلم من القلق، وما قاله في الاستغاثة والمناجاة يدل على أنه لا يعرف بالضبط كيف يعامل الله، فهو موزع القلب بين الرجاء والخوف ولعل هذه الحيرة هي خير ما نلقى به الله الذي لم يخف منه شيء، ولم يظهر منه شيء.
هل نملك الطاعة والعصيان؟
وابن عطاء الله يصر إصرارا جازما على أن العمل لا ينفع إلا بفضل من الله، ويقول:
إلهي، إن رجائي لا ينقطع عنك، وإن عصيتك، كما أن خوفي لا يزايلني وإن أطعتك.
41
وهذا من المعاني التي كررها المؤلف في صور مختلفة، فهو يدعو هنا بما كان ينصح به هناك.
Página desconocida