130

Tasawwuf

التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق

Géneros

قال: فجعل ينشدها وإن دموعه لتسيل على خديه، فلما رأيت ذلك لم أصبر أن ملت فكتبتها، وسألت عن الشيخ فقيل لي: هو أبو العتاهية.

16

فهذه الحسرة على الشباب وأيام التصابي تصوره رجلا مغلوبا على اللذات، وتطعن في صحة زهده، ولو كان زهده عن إخلاص مطلق لرمى بذكريات الشباب حيث رمتها الأيام.

ولسنا نقول: بأن الزهد يقضي على جميع الصبوات القلبية، وأن بكاء الشباب لا يمر بقلب رجل زاهد، وأن الحسرة على أيام التصابي لا تكون إلا من رجل مزعزع اليقين، لا، ولكنا نتخذ من ذلك شاهدا على أن الرجل ظل يعيش إلى أخريات أيامه بقلب مفتون بأيام الصبوة والفتك، وإن كان شعره في الزهد ملأ الدنيا وغزا صوامع الرهبان.

17

قلقه الروحي وحزنه على الشباب

أما شعر أبي العتاهية في الزهد فكان في الأغلب سهلا لينا، وكانت له في ذلك سياسة يكشف عنها حديث نقله صاحب الأغاني عن كتاب هارون بن علي، قال: حدثني علي بن مهدي عن ابن أبي الأبيض قال: أتيت أبا العتاهية فقلت له: إني رجل أقول الشعر في الزهد، ولي فيه أشعار كثيرة، وهو مذهب أستحسنه لأني أرجو أن لا آثم فيه، وسمعت شعرك في هذا المعنى فأحببت أن أستزيد منه، فأحب أن تنشدني من جيد ما قلت، فقال: اعلم أن ما قلته رديء. قلت: وكيف! قال: لأن الشعر ينبغي أن يكون مثل أشعار الفحول المتقدمين، أو مثل شعر بشار وابن هرمة، فإن لم يكن كذلك فالصواب لقائله أن تكون ألفاظه مما لا تخفى على جمهور الناس مثل شعري، ولا سيما الأشعار التي في الزهد، فإن الزهد ليس من مذاهب الملوك، ولا من مذاهب رواة الشعر ولا طلاب الغريب، وهو مذهب أشغف الناس به الزهاد وأصحاب الحديث والفقهاء وأصحاب الرياء والعامة، وأعجب الأشياء إليهم ما فهموه، فقلت: صدقت. ثم أنشدني قصيدته:

لدوا للموت وابنوا للخراب

فكلكم يصير إلى تباب

ألا يا موت لم أر منك بدا

Página desconocida