El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
و«المنن» من الناحية الموضعية أعظم كتاب أخلاقي في تاريخ العربية، بل لعله أعظم كتاب للمثاليات الإيمانية الصوفية في تاريخ التعبد الإسلامي.
فلقد رسم الشعراني في كتابه الفذ الخطوط العليا العريضة للآداب الإسلامية من وجدانية ونفسية وعملية، كما رسم الخطوط العريضة الواضحة لما يقابلها من سيئات منحدرة هابطة إلى أسفل، وما يحف بها من شهوات، وما يلوذ بها من أحقاد النفس، ووساوس القلب، وما يعترك في الطبع الإنساني من غل وحسد وشهوات.
فالمنن إذن من الناحية الفنية فيصلا مبينا بين التصوف الصادق الذي يرتكز على الخلق المحمدي، وبين أدعياء التصوف الهابطين بأخلاقهم وأعمالهم إلى ما ينكره الإسلام، ويبرأ منه الإيمان، ولا يرضى عنه الخلق الكريم.
ولا يضير الشعراني أنه عمد في بعض فصول هذا الكتاب إلى ما يشبه الأسلوب العامي، أو الوعظ القصصي؛ فلقد هدف الشعراني منذ خط السطر الأول في هذا الكتاب إلى مخاطبة الجماهير العامة في عصره، وهي الجماهير التي ضللها أدعياء التصوف، وعبث بها الإقطاعيون الروحانيون.
والجماهير العامة في كل الأمم، وفي عصر الشعراني خاصة، لا يصلح لها سوى هذا الأسلوب السهل الرقراق، وسوى هذا اللون من الإرشاد والتوجيه المبين الواضح القريب من القلوب والأرواح.
بل لعل هذا اللون من البيان الذي يشبه الدردشة الكلامية هو الأسلوب الحكيم الذي لا أسلوب سواه يصلح للغاية التي هدف إليها الشعراني، ورسم خطوطها، وحدد أهدافها.
يقول الشعراني في مقدمة هذا الكتاب: «فهذه جملة من النعم والأخلاق التي تفضل الحق تعالى بها علي أوائل دخولي في محبة طريق القوم - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - كان الباعث لي على تأليفها ورقمها في هذه الطروس أمورا؛ أحدها: ليقتدي بي إخواني فيها، وكنت آمرهم بالتخلق بها فلا يسمعون، فقال لي يوما جماعة منهم: هذه الأخلاق التي تأمرنا بها لا نجد أحدا تخلق بها من أهل عصرنا حتى تقتدي به فيها ، فاستخرت الله تعالى وأظهرت لهم تخلقي بها، فاتبعوني عليها وما بقي لكم حجة في ترك التخلق بها، فلولا ذلك لربما كان الكتمان لها أولى.»
علم الشعراني أن الأخلاق العالية لا بد أن يكون لها رمز تتمثل فيه؛ لتشاهدها الأعين حية متحركة قائمة بين الناس، وعلم أن أصحابه وأهل عصره لا يمكن أن يتحملوا تلك الثورة الإيمانية التي يبشر بها، ويحمل أعلامها، فرمز لهذه الأخلاق بنفسه. هذه الأخلاق التي قال معاصروه عنها إنهم لم يروا أحدا متخلقا بها.
وليس معنى هذا أن الشعراني كان بعيدا عن هذه الأخلاق، أو كان مدعيا في نسبتها إلى نفسه، ولكننا قصدنا أنه صاغها على نفسه؛ ليكون وقعها في معاصريه أكمل وأتم.
وفي سبيل هذه الغاية العليا أيضا ألف الشعراني كتابه الفريد البديع «لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية».
Página desconocida