El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
فساد التصوف في عصره
خضعت مصر لحكم المماليك حقبة طويلة كانت فيها على غير فطرتها ونهجها التاريخي، فمصر منذ فجر التاريخ أمة مفكرة مؤمنة عابدة، فهي أول أمة اهتدت إلى التوحيد وعبدت الله - جل جلاله - على نوره، وهي أول أمة شيدت للعبادة وللروحانية أضخم وأجل ما عرفت الإنسانية من معابد وهياكل مقدسة.
وإلى مصر لجأت وعاشت وازدهرت اليهودية والمسيحية والإسلامية، وفي مصر عاش موسى وعيسى ويوسف وغيرهم من الأنبياء الذين قص الله سبحانه قصصهم في القرآن، وغيرهم ممن لم يقصص.
فالتاريخ الروحي لمصر تاريخ حافل، بل هو التاريخ الغالب، بل هو سرها التاريخي الذي أمدها دائما بالحيوية والقوة، وإذا فقدت مصر هذا السر يوما فقد فقدت روحها، أو بالتالي فقدت حياتها العزيزة الكريمة.
ثم هبط أرض مصر العنصر القوقازي، هبط أفراده أذلاء أرقاء، وما هي إلا دورة من دورات التاريخ حتى أصبح المماليك سادة مصر وحكامها، وأصبح عرش مصر نهبا لكل واثب بسيف، وصائل برمح، وضارب بسهم.
وأسس المماليك في مصر قوة حربية من أعظم القوى التي عرفها العالم الإسلامي، بل من أعظم القوى في تاريخ العسكرية العالمية.
ولكن المشاعل العلمية والمصابيح الإيمانية التي كانت تضيء لمصر، وتضيء من مصر للعالم، أخذ نورها يخبو في عهد المماليك، بل أخذ نورها يفنى ويتبدد وتخنقه الظلمات، فما كان من المماليك يوما من الأيام رجال فكر أو علم، وما كان لهم طاقة على العلم والفكر، وما كانت تصوراتهم عن الدين إلا تصورات جاهلة حمقاء، انحصرت في دائرة واحدة هي دائرة التعصب الحاد الأحمق للإسلام دون فهم له، أو استنارة بآدابه ونهجه.
وامتد حكم المماليك وطالت أيامه، فأخذت القبضة الفولاذية تضعف، وأخذ التناحر على الحكم بينهم يشتد ويعنف، وغدت مصر مرتعا لأقسى أنواع النهب والسلب، وأشد أنواع الظلم والاستبداد، فلم يعد هناك حصانة لمال أو عرض أو حياة، بل كل شيء للأقوى، ولا شيء أبدا للضعيف العاجز.
وانعزلت مصر عن العالم، وأقيم بينها وبين الحضارات العالمية سدود وقيود، وبعدت مصر عن ينابيع الهدى الإيماني الإسلامي، فقامت دولة الخرافة والأسطورة، وساد العصر الذي يسمى بحق عصر الدراويش، أو دولة الأولياء الكاذبين، وهو العصر الذي لا تزال بقاياه تشاهد في بعض مواكب رجال الطرق الصوفية التي تذرع ريف مصر بطبولها الساذجة، وأعلامها الممزقة، وأهدافها الأسطورية البدائية.
العصر الذي لا تزال بقاياه تشاهد في تلك المهازل التي تحف بأضرحة الأولياء في القاهرة وعواصم المدن، المهازل التي يسمى أصحابها بالدراويش والمجاذيب، وضاربي الرمل، وكاشفي الغيب، وصانعي المعجزات!
Página desconocida