El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
فليس من رسالة التصوف البحث في فرائض الأحكام الشرعية، ولا البحث في الصفات الربانية، ولا الجدال والحوار في المعارف الفلسفية والمذاهب العقلية.
وإنما التصوف تطوع دائم للعبادة. وهذا التطوع التعبدي جعل أربابه يستنبطون ألوانا من الأدب يجملون بها أنفسهم وهم قيام بهذه العبودية، وألوانا من الواجبات في الذكر والخلوة والسلوك، وألحانا من المعرفة ترقرقت لهم من مراقبتهم لأنفاسهم، وتفتيشهم لقلوبهم، وتجلت لهم في مواجيد الأنس والمحبة، كما أنهم فرضوا على أنفسهم زهدا خاصا جعل لهم حساسية مشرقة، وذوقا ملهما في طرائق العبودية؛ لأنهم ينشدون الكمال في تلك العبودية؛ ولأنهم آمنوا بأنها هدف الحياة وغاياتها العليا، أو كما يقول الحسن البصري: «إن في زماننا رجال ينظرون إلى مسائل كأنها شعرة، ولقد أدركنا رجالا كانوا يعتبرونها من الكبائر.» وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول: «إظهار المحبرة من الرياء.» وهو معنى في التواضع لا يعرفه إلا الأصفياء، ويقول رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه: «لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس.» رواه الترمذي.
ذلك محور التصوف الصادق، وتلك دائرته، وكما حفظ علماء الظاهر حدود الشريعة وأحكامها، كذلك يحفظ المتصوفة للشريعة آدابها وروحها، وكما أبيح للفقهاء الاجتهاد في استنباط الأدلة واستخراج الحدود والفروع، والحكم بالتحليل والتحريم على ما لم يرد فيه نص، وترك أمره للاجتهاد والاستنباط؛ فكذلك للعارفين أن يستنبطوا مما ألهموا وعرفوا وذاقوا أحكاما في الأمور التي لم ينص عليها، ولهم أيضا أن يستنبطوا آدابا وأذواقا ونهجا للمريدين والعابدين.
فللتصوف علومه واجتهاداته التي ينفرد بها، ولتلك العلوم أثرها ومكانتها ومقامها بداخل حدود التشريع الإسلامي الظاهري.
ويقول الشعراني: «فمن دقق النظر علم أنه لا يخرج شيء من علوم أهل الله تعالى عن الشريعة، وكيف تخرج والشريعة وصلتهم إلى الله - عز وجل - في كل لحظة.»
ثم يقول: «ولكن أصل استغراب من لا إلمام له بأهل الله أن علم التصوف من عين الشريعة، كونه لم يتبحر في علم الشريعة؛ ولذلك قال الجنيد: «علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، دال على من توهم خروجه عنها في ذلك الزمان أو غيره. وقد أجمع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الله - عز وجل - إلا من تبحر في علوم الشريعة، وعلم منطوقها ومفهومها، وخاصها وعامها، وناسخها ومنسوخها، وتبحر في لغة العرب حتى عرف مجازاتها واستعاراتها وغير ذلك، فكل صوفي فقيه ولا عكس. وبالجملة فما أنكر أحوال الصوفية إلا من جهل حالهم».»
صدق الشعراني؛ فإنه لا ينكر التصوف إلا من جهله علما وذوقا، ولا ينكر طريق التصوف إلا عويلم ليست له ضلاعة في العلم، ولا مكانة في المعرفة. أما العلماء حقا من رجال الفقه والاجتهاد والفتيا، فقد سلموا للتصوف علما وذوقا، سلموا له لا بصدقه فحسب، بل سلموا بالتفوق والزعامة، سلموا له بأنه أفق لا تصعد إليه أجنحتهم؛ لأن لأجنحته تفوقا غلابا سره في تعبدها، كما أن سر علومه في إلهامها.
يقول القشيري في رسالته مدللا على مكانة التصوف والمتصوفة: «لم يكن عصر في مدة الإسلام وفيه شيخ من هذه الطائفة إلا وأئمة ذلك الوقت من العلماء قد استسلموا لذلك الشيخ، وتواضعوا له، وتبركوا به، ولولا مزية وخصوصية للقوم لكان الأمر بالعكس .»
ويسوق الشعراني الأدلة على كلمة القشيري فيقول: «لقد أذعن الإمام الشافعي لشيبان الراعي، حين طلب منه الإمام أحمد بن حنبل أن يسأله عمن ينسى صلاة لا يدري أي صلاة هي، فقال شيبان: هذا رجل غفل عن الله - عز وجل - فجزاؤه أن يؤدب.»
وكان أحمد بن حنبل يرسل إلى أبي حمزة البغدادي دقائق المسائل ويقول: «أفتني في هذا يا صوفي؟ وكان يقول لابنه ناصحا وموجها: «عليك بملازمة المتصوفة؛ فإنهم بلغوا مقاما في الإخلاص لم نبلغه.»
Página desconocida