El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
فقوة المتصوف العظمى إنما تكمن في روحه، فكلما اقتربنا من دائرته الروحية تجلت لنا آياته، وتجلت لنا شخصيته، وتجلت لنا عملاقيته الروحية والعلمية؛ لأنهم شخوص كونتهم العقيدة، وصاغتهم الروحانية؛ ولهذا نقترب من فهمهم ونقترب منهم كلما اقتربنا من التصوف ومن فهم التصوف.
وإذن فلا بد لدارس شخصية الشعراني من أن يتحدث عن التصوف؛ فالحديث عن الروح الصوفي هو المدخل لدراسة كل متصوف إسلامي.
ودارس التصوف الإسلامي يرى نفسه بادئ بدء وسط أمواج صخابة، وبحار زاخرات، بل وسط دوامة مفرغة الحلقات لا يجد لعبابها شاطئ، ولا من نوئها عاصم.
فقد امتلأ موكب التصوف بالدخلاء من كل نحلة ولون، كما دست على المعارف الصوفية عقائد تكاد تتمثل فيها عقائد الكوكب الأرضي كافة.
وطريق البحث بعد ذلك ليس معبدا، بل ليس آمنا؛ فالباحث يجد أمامه مزاجا عجبا من الأخبار المتشابكة المتضاربة التي امتزج فيها الحصى بالجواهر، وامتزجا أحيانا حتى يحتاج الدارس إلى معمل فكري للصهر والتمييز.
وما يجده الباحث من حر الجواهر إنما يجده متناثرا لا يكون وحدة فكرية، ولا يقيم مبحثا علميا متناسقا، فهو بحاجة إلى صبر مدده من عند الله؛ حتى يستطيع أن يؤلف بين هذه الأجزاء، ويرد كل جوهر إلى عقده، حتى يستقيم البحث، وحتى يتجلى جمال اللؤلؤ المكنون.
وكثيرا ما يجد الباحث نفسه أمام ألوان فلسفية مادية، وألوان من التأملات الجامحة، وألوان من الشطحات المضللة أدخلت على التصوف وهي ليست من روحه، ولا من عقيدته، وأعسر من هذا وأشد قسوة أن هذه الألوان قد دسها المغرضون والمزيفون في كتب الأئمة والقادة من رجال التصوف، ومشى هذا التزييف على التاريخ حتى أصبح جزءا منه.
وكتب المناقب التي عنيت بالتصوف ورجاله كثيرة ومتنوعة، ولكن كثرتها لا تهدي السبيل، ولا تنير الطريق؛ إذ إنها طوائف من الأخبار تسودها المبالغة حينا، والاضطراب أحيانا، ويجري فيها الدس والتزييف تارة، والإيهام والغموض تارة أخرى.
وتأتي بعد ذلك دراسات المستشرقين الذين ساهموا بقصد أو بغير قصد في تشويه التصوف وتغيير وجهه؛ لأنهم اتجهوا بدراساتهم إلى ألوان من التصوف لا تعتبر من صميمه، ولا تعبر عن شخصيته، اتجهوا إلى السبحات الفلسفية والشطحات القلبية، وهو لون دخيل على التصوف لحق به في إحدى مراحله المتأخرة، حينما انتقل من القلوب إلى العقول، ومن التعبد إلى التأمل ، حينما انصرف بعض المنتسبين إلى التصوف إلى نظريات في الوجود، ونظريات في المعرفة لا يعترف بها الإسلام، ولا ترضى عنها الألحان الصوفية المؤمنة.
ثم جاءت في أعقابهم كتب المؤرخين المعاصرين من رجالنا، فإذا بهم يجرون في أعقاب أساتذتهم من رجال الاستشراق، وإذا بهم يقعون - كما وقع أساتذتهم - في أحابيل خصوم التصوف القدامى الذين دسوا عليه وزيفوا ألحانه، وإذا بهم أيضا يعنون بالشكليات، ويغرمون بالشاذ من الآراء، ويولعون بإبراز الكلمات المهزوزة، كما أولع الأوروبيون بها من قبل، الكلمات المهزوزة التي استنبطوا منها تارة فكرة الحلول والاتحاد، وتارة نظرية وحدة الوجود، وإذا بهم يتحدثون أيضا كما تحدث شيوخهم عن الصلات بين التصوف الإسلامي والوثنية الهندية، والتصوف المحمدي والروحانية المسيحية.
Página desconocida