El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
ولم تقف مكارم الشعراني عند هذا الحد، بل تحدثنا كتب المناقب بأنه كان يقوم بتزويد العلماء والفقهاء والمشايخ في مصر وغيرها بالغذاء والكساء والماء، حتى لكأن كل فقير من أهل العلم أمانة في عنقه. ويحدثنا الشعراني بأنه قد كسا بالثياب عددا لا يحصيه عد، ولا يحيط به حصر من الشيوخ الفقراء آلافا مؤلفة.
أما ضيوف الشعراني ورواده في زاويته، والذين قدروا في كتب التاريخ بحوالي مائة زائر يوميا، فقد كان الشيخ معهم سخي اليد، سخي القلب، سخي العاطفة.
ومع هذا العبء العظيم، وهذه النفقات الطائلة التي حملها الشعراني، لم يغض نبع الخيرات في زاويته، بل كان دفاقا جياشا دائما، وفي وسط هذا النعيم والخير المقيم، كان الشعراني يعيش يومه على جرعة من ماء وتمرات يقمن صلبه.
تلك هي الناحية المادية من زاوية الشعراني. أما الحياة الروحية فيها، فهي الوجه الأكثر وضاءة وإشراقا؛ فلقد تحدث مؤرخوه من معاصريه بأن زاويته كانت أعظم المنارات العلمية والتعبدية في العالم الإسلامي خلال القرن العاشر الهجري.
فقلد كان الشعراني أوسع أهل عصره علما، وأعلاهم كعبا في التصوف والنفحات اللدنية، كما كان ذروة في التعبد والخلق لا تطاولها ذروة. وبتلك العملاقية العلمية والروحانية التعبدية طبع الشعراني زاويته، وربى مريديه وتلامذته، فدرسوا على يديه العلوم الشرعية على اختلاف أنواعها، وتلقوا منه المعارف الصوفية على اتساع آفاقها وشمولها، ودقائق أسرارها، ومكارم أخلاقها.
وكان قراء القرآن الكريم فيها يواصلون القراءة ليلا ونهارا حتى لا تخلو الزاوية دقيقة واحدة من قراءة القرآن.
وبجوار قراءة القرآن، المجالس العلمية، فلا يفرغ قارئ في الحديث حتى يبدأ قارئ في التفسير، وما ينتهي حتى يشرع ثالث في قراءة التصوف، ولا ينتهي حتى يليه قارئ في الفقه، وهكذا آناء الليل وأطراف النهار من غير انقطاع.
ويحدثنا المناوي وصاحب «طبقات الشاذلية» بأن الناس كانوا يسمعون لزاويته دويا كدوي النحل ليلا ونهارا.
وبجوار هؤلاء وهؤلاء كان العباد والذاكرون المنقطعون للذكر والعبادة، حتى ليقول الشبلي المؤرخ بأنه لم ير في مشارق الأرض ومغاربها خيرا من زاوية الشعراني علما وفضلا وتصوفا وأدبا.
ولقد أخرجت تلك الزاوية الخالدة أعظم علماء القرن العاشر الهجري، وأكبر متصوفيه. لقد كانت زاوية خالدة، وكانت زاوية الخالدين.
Página desconocida