El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
علم الأول كان الوهب، وعلم الثاني كان الكتب، والعلم الحقيقي عند الصوفية العلم الذي يقول صاحبه بملء فيه: إنه علمي. هو علوم الفتح؛ لأنها خاصة بصاحبها. أما علوم الكسب فهي ليست علوم صاحبها؛ إنما هي علوم الكتب، أو كما يقول الخواص: «علوم الرجل حقيقة» هو ما لم يسبق إليه، وأما من كان علمه مستفادا من النقل؛ فليس ذلك له بعلم، إنما هو صاحب لصاحب العلم .
والشعراني يقول: إن من منن الله عليه أن كان وصوله وفتحه على يد أمي لا يعرف القراءة والكتابة، ويقول في وصف هذا الأمي: «رجل غلب عليه الخفاء فلا يكاد يعرفه بالولاية والعلم إلا العلماء العاملون؛ لأنه رجل كامل عندنا بلا شك، والكامل إذا بلغ مقام الكمال في العرفان صار غريبا في الأكوان.»
ولنترك الشعراني يحدثنا بحديثه الروحي العذب عن وصوله إلى معارج المعارف العلوية على يدي شيخه، ثم يحدثنا عن بحار علوم شيخه ومرشده: «وكانت مجاهداتي على يدي سيدي علي الخواص كثيرة متنوعة، منها أنه أمرني أول اجتماعي عليه ببيع جميع كتبي والتصدق بثمنها على الفقراء، ففعلت - وكانت كتبها نفيسة مما يساوي عادة ثمنا كثيرا - فبعتها وتصدقت بثمنها، فصار عندي التفات إليها لكثرة تعبي فيها وكتابة الحواشي والتعليقات عليها، حتى صرت كأنني سلبت العلم، فقال لي: اعمل على قطع التفاتك إليها بكثرة ذكر الله - عز وجل - فإنهم قالوا: ملتفت لا يصل، فعملت على قطع الالتفات إليها مدة حتى خلصت بحمد الله من ذلك.
ثم أمرني بالعزلة عن الناس مدة حتى صفا وقتي، وكنت أهرب من الناس وأرى نفسي خيرا منهم، فقال لي: اعمل على قطع أنك خير منهم، فجاهدت نفسي حتى صرت أرى أرذلهم خيرا مني.
ثم أمرني بالاختلاط بهم، والصبر على أذاهم، وعدم مقابلتهم بالمثل، فعملت على ذلك حتى قطعته، فرأيت نفسي حينئذ أنني صرت أفضل مقاما منهم، فقال لي: اعمل على قطع ذلك أيضا، فعملت حتى قطعته.
ثم أمرني بالاشتغال بذكر الله سرا وعلانية والانقطاع بالكلية إليه، وكل خاطر خطر لي مما سوى الله - عز وجل - صرفته عن خاطري فورا، فمكثت على ذلك عدة أشهر.
ثم أمرني بترك أكل الشهوات مطلقا فتركتها، واكتفيت بما يسد الرمق ويمسك الحياة، حتى صرت أكاد أصعد بالهمة في الهواء، وصارت العلوم النقلية تزاحم العلوم الوهبية، ثم أمرني بالتوجه إلى الله - تبارك وتعالى - في أن يطلعني على أدلتها الشرعية، فلما اطلعت عليها وصار لوح قلبي ممسوحا من العلوم النقلية لاندراجها تحت الأدلة، ترادفت علي حينئذ العلوم الوهبية.»
ثم يتحدث الشعراني حديثا طويلا عن ترقبه للواردات والإلهامات والفتح، وكيف أمره شيخه الخواص بضروب من المجاهدات لصفاء قلبه، واستكمال قطع علائقه الدنيوية، وأخيرا أخبره شيخه بأن بداية فتحه ستكون على شاطئ النيل في مكان حدده له، فإذا انتهى الشعراني من ذلك قال: «فبينما أنا واقف على ساحل النيل عند بيوت البرابرة وسواقي القلعة أنتظر وأترقب، إذا بأبواب من العلوم اللدنية انفتحت لقلبي، كل باب أوسع مما بين السماء والأرض، فصرت أتكلم على معاني القرآن والحديث، واستنبط منها الأحكام وقواعد النحو والأصول وغير ذلك من العلوم، حتى استغنيت عن النظر في كتب المؤلفين، فكتبت على ذلك نحو مائة كراسة، فلما عرضتها على سيدي علي الخواص أمرني بغسله وقال: هذا علم مخلوط بفكر وكسب، وعلوم الوهب منزهة عن مثل ذلك، فغسلتها، وأمرني بالعمل على تصفية القلب من شوائب الفكر، وقال: بينك وبين علم الوهب الخالص ألف مقام، فصرت أعرض عليه كل شيء فتح به علي وهو يقول: أعرض عن هذا، واطلب ما فوقه، إلى أن كان ما كان، فهذا صورة فتحي بهذه المجاهدة على يدي شيخي. فالحمد لله رب العالمين.»
ثم يصور لنا الشعراني بعد ذلك فيما يصور، من صلاته بالخواص، بحر العلم الخاص بشيخه، فيصفه بأنه مبسوط الرحاب، عميق القاع، أمواجه الكشف الصحيح، وعبابه التعريف الإلهي.
ولقد غطس الشعراني - كما يقول - في بحر شيخه خمس مرات - ومن حق المريد أن يغترف من بحر المعرفة الخاص بشيخه - فلما هم بالسادسة استحال البحر حجرا.
Página desconocida