El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
وقد اتصل منذ يومه الأول بالقاهرة بصفوة علمائها: جلال الدين السيوطي، وزكريا الأنصاري، وناصر الدين اللقاني، والرملي، والسمنودي، وأضرابهم، وقد أفاض الشعراني في ذكر أساتذته مما استغرق صفحات وصفحات من كتبه، كما أفاض في ذكر إجلاله لهم وحبهم له.
ودرس الشعراني على أساتذته المكتبة الإسلامية كلها، بشتيت فنونها وعلومها في التصوف والفقه والحديث والتفسير واللغة والأصول، حتى غدا كما يقول: لا يتصور أحد من معاصريه أحاط بما أحاط به علما أو تخلق بما تخلق به عملا.
درس الشعراني كل معارف عصره العلمية دراسة فهم وتذوق بروح المجتهد المؤمن المحب، بروح الطالب المثالي الذي ينشد الحق فلا يتعصب لمذهب من غير دليل، والذي يجل أئمة الإسلام ورجال الفكر فيه، فلا يسارع إلى تخطئة أحدهم، ولا يبادر إلى الاعتراض عليه؛ لإيمانه بأن علماء الإسلام وأئمته على هدى من ربهم، وبصيرة من نور علمهم.
ثم هو بعد ذلك خاشع القلب متواضعه في محاريب العلم، فإذا أدرك بفهمه لطيفة علمية، أو لمس بذكائه واستنباطه حقيقة من حقائق المعرفة في كتاب الله وأحاديث رسوله، فلا يجزم - كما يقول - بأن ما فهمه أو استنبطه هو مراد الله من آيه، أو مراد رسوله من حديثه، تأدبا وتحرزا من دعوى العلم، أو التلبس برداء كبره وغروره.
ومن خلقه العلمي أنه حفظ نفسه من الجدل والجدال ورفع الصوت في مجالس العلم، ولنترك الشعراني يحدثنا عن دراساته بأسلوبه البسيط الساحر: «ثم لما جئت إلى مصر حفظت كتاب المنهاج للنووي، ثم ألفية ابن مالك، ثم التوضيح لابن هشام، ثم جمع الجوامع، ثم ألفية العراقي، ثم تلخيص المفتاح، ثم الشاطبية، ثم قواعد ابن هشام وغير ذلك من المختصرات، وحفظت هذه الكتب حتى صرت أعرف متشابهاتها كالقرآن من جودة الحفظ، ثم ارتفعت الهمة إلى حفظ كتاب الروض مختصر الروضة؛ لكونه أجمع كتاب في مذهب الشافعي، فحفظت منه إلى باب القضاء على الغائب - وهو في أواخر الكتاب - فلقيني بعض أرباب الأحوال بباب الخرق - باب الخلق - خارج باب زويلة، فقال لي مكاشفا: قف على باب القضاء على الغائب، ولا تقض على غائب بشيء.
فما قدرت بعد ذلك على حفظ شيء منه، لكنني طالعت الكتاب ودرسته نحو مائة مرة، وكنت أقرأ محفوظي للمتن في الشرح، وأنظر كل شيء توقفت في فهمه حتى صار شرحه للشيخ زكريا
1
عندي نصب عيني.
ثم لقيني الشيخ أحمد البهلول - رضي الله عنه - فقال لي مكاشفا: أقبل على الاشتغال بالله، ويكفيك من العلم ما قد تعلمته، فشاورت في ذلك مشايخي فقالوا: لا تدخل طريق القوم إلا بعد شرح محفوظاتك كلها على الأشياخ، فإذا فهمتها وتبحرت فيها؛ فعليك بطريق القوم.»
ثم يقول: «وقرأت محفوظاتي على شيوخي - وهم نحو خمسين شيخا - فقرأت على الشيخ أمين الدين شرح المنهاج للجلال المحلي، وكنت أطالع على درسي هذا القوت للأذرعي، والقطعة والتكملة للإسنوي والزركشي، والقطعة للسبكي، والعمدة لابن الملقن، وشرح ابن قاضي شهبة، وشرح الروض للشيخ زكريا الأنصاري، وأكتب زوائد هذه الكتب على الشيخ جلال الدين، وألصق به أوراقا - حتى ربما تصير الحواشي أكثر من الكتاب - ثم أقرؤها كلها عليه.
Página desconocida