El Sufismo Islámico y el Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Géneros
والشعراني عجيبة ضخمة من عجائب تلك المدرسة، أو إن شئت فعجيبة من عجائب التصوف، وصنيعة من صنائع الإيمان، ولطيفة من لطائف التقوى، وقبس من أقباس النور المفاض على الأرواح المتطهرة العابدة.
فدعك من البحث عن مدرسته العلمية، ودعك من البحث عن مناهجه ودراساته، فقد كونته إلهامات القلب وسبحات الروح، وأبرزته الطاعة والخلوة والمحبة والحضرة، ورعته وحبته وزكته عناية الله ورضاه.
وليس معنى هذا أن الشعراني لم يكن عالما فحلا، ودارسا مبرزا على معاصريه في علومهم ومعارفهم، وإنما نريد أن نقول إن تلك العملاقية العلمية التي ارتفعت به منارا، فنت في نوره علوم معاصريه، وتضاءلت حياله معارف مصاوليه ومجادليه، كان سرها أنها من الأفق الأعلى، من النبع الرباني الذي لا تفنى إلهاماته، ولا تنضب إمداداته.
وحسب الشعراني أن رجال الاستشراق عكفوا على كتبه يستنطقونها، ويتلمسون أسرارها، ويقبلونها على أوجه شكوكهم الملحة، ويعرضونها على موازينهم القاسية، وخرجوا بعد الشوط الطويل يحنون الهامات أمام العملاق الضخم الشامخ، ويطلقون القول معترفين في وضوح وصراحة بأن الشعراني أعجوبة من أعاجيب العباقرة المتصوفين، أعجوبة لا يكاد تاريخ الإسلام يعرف لها مثيلا.
يقول المستشرق «فولرز»: «إن الشعراني كان من الناحية العلمية والنظرية صوفيا من الطراز الأول، وكان في الوقت نفسه كاتبا بارزا أصيلا في ميدان الفقه وأصوله، وكان مصلحا يكاد الإسلام لا يعرف له نظيرا، وإن كتبه التي تجاوزت السبعين عدا، من بينها أربعة وعشرون كتابا تعتبر ابتكارا محضا أصيلا لم يسبق إليه أبدا، ولم يعالج فكرتها أحد قبله.»
ويقول العلامة «ماكدونالد»: «إن الشعراني كان رجلا دراكا نفاذا مخلصا واسع العقل.» ويقول في موضع آخر: «إنه كان يجمع بين أعظم المميزات، وإنه كان مشرعا ذا أصالة ونفاذ، وكان عقله من العقول النادرة في الفقه بعد القرون الثلاثة الأولى في الإسلام، وإنه رجل أخلاق تهزه أنفة عالية.»
ويقول المستشرق «نيكلسون» عنه: «إنه أعظم صوفي عرفه العالم الإسلامي كله، وإنه منذ فتح المغول العالم الإسلامي ركدت الحركة الفكرية في الإسلام، واقتصر علماؤه على الجمع والتقليد، فلا نجد بوادر انطلاق، أو إنتاج خصب منتج، أو أي أثر لتفكير أصيل وضيء، باستثناء شخصيتين شاذتين؛ هما: ابن خلدون المؤرخ، والشعراني الصوفي. وكان الشعراني بالذات مفكرا مبدعا أصيلا أثر تأثيرا واسع المدى في العالم الإسلامي، يشهد به إلى يومنا إلحاح القراء إلحاحا متواصلا في طلب مؤلفاته.»
تلك هي شهادات العلماء العالميين الذين وزنوا الشعراني بموازينهم العلمية الدنيوية، لا بميزان النورانية الصوفية، ومع هذا فقد ارتفعت به موازينهم إلى القمة المنفردة شموخا وخلودا.
ولنعد إلى الأفق الأعلى؛ أفق التصوف الوعر العسير المرتقى، لقد صعد الشعراني في معارجه، وتنسم الذروة في محرابه، وتزعم وساد في آفاقه.
والصعود في تلك المعارج، وتنسم الذروة والزعامة والسيادة الصوفية قد أتيحت من قبل الشعراني لغير قليل في هذا الأفق.
Página desconocida