El Sufismo: La Revolución Espiritual en el Islam
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Géneros
ونحن لا ننكر أن بعض من انخرطوا في سلك الصوفية ممن لا خلاق لهم ولا صدق فيهم قد انحدروا إلى هذه الهاوية، ولكن جمهور الصوفية الصالحين الذي لهم قدم صدق في الطريق لم يفرطوا في الشرع في قليل أو كثير، ولم تلق منهم تلك الإباحية إلا كل نقمة وإنكار.
يقول جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي المتوفى سنة 597: «وقد أخبرنا ابن ناصر بإسناد عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قيل لأبي نصر النصراباذي إن بعض الناس يجالس النسوان ويقول: «أنا معصوم في رؤيتهن.» فقال: «ما دامت الأشباح قائمة فإن الأمر والنهي باقيان، والتحليل والتحريم مخاطب بهما.» وقال أبو علي الروذبادي وسئل عمن يقول: «وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال.» فقال: «وقد وصل ولكن إلى سقر.» وبإسناد عن الجريري يقول: سمعت أبا القاسم الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل: «أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل.» فقال الجنيد: «إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة ، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا، وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه رجعوا فيها، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها؛ لأنه أوكد في معرفتي به وأقوى في حالي.»
وبإسناد عن أبي محمد المرتعش يقول: سمعت أبا الحسين النوري يقول: «من رأيته يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن علم شرعي، فلا تقربنه، ومن رأيته يدعي حالة باطنة لا يدل عليها ويشهد لها حفظ ظاهر، فاتهمه في دينه.»
3
هذه أمثلة يسوقها ابن الجوزي للتدليل على أن قدماء الصوفية لم يفرطوا في ظاهر الشرع على الرغم من مراعاتهم لباطنه وحقيقته، وأنهم أنكروا كل الإنكار مقالة من قال: «إنهم داوموا على الرياضة حتى رأوا أنفسهم قد تجوهروا، فقالوا: لا نبالي الآن بما عملنا، وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم.»
وآخرون - وهم الرمزيون من الصوفية - ينظرون إلى الشريعة نظرة أخرى، فيقومون بشعائر الدين كما كلفوا بها، ولكنهم لا يرون فيها إلا رموزا يقصد بها معان باطنية يذهبون في فهمها كل مذهب. فرسوم الشريعة هي الظاهر، ومعانيها التي هي أعمال القلوب هي الباطن، وليس للظاهر قيمة في ذاته وإنما قيمته في المعنى الروحي الذي يقصد منه، وهذه وجهة نظر وسط بين التزام أحكام الشرع على ما هي عليه لذاتها، وبين إسقاط أعمال الظاهر إسقاطا كليا، وإن كانت أقرب إلى الثاني منها إلى الأول، وهي نظرة إلى الشريعة يمكن مقارنتها - في ظاهرها - بنظرة الإسماعيلية الباطنية إلى أحكام الدين. أقول «في ظاهرها» لأن الإسماعيلية الباطنية كانت لهم في نظرتهم إلى ظاهر الشريعة مآرب أخرى ليست من مآرب الصوفية في شيء.
وتظهر هذه النزعة الرمزية بصفة خاصة في تأويل مناسك الحج؛ فقد كان الحج في معناه وشعائره أكثر العبادات خضوعا لهذا التأويل الرمزي، وقد أخضعه الصوفية لهذا التأويل منذ أقدم عصورهم. كأنهم لم يروا في القصد إلى بيت الله الحرام والقيام بشعائر الحج قدسية وروحانية كافية من حيث الظاهر، فطفقوا يبحثون عن معان روحية وراء الرسوم الظاهرة، وربما سهل عليهم تأويل مناسك الحج تأويلا رمزيا أن الحج سفر إلى بيت الله، والطريق الصوفي سفر إلى الله، فكان من الطبيعي أن يتخذوا من السفر البدني رمزا للسفر الروحي، ولأذكر هنا مثالا واحدا من أمثلة التأويل الرمزي لبعض مناسك الحج أورده أبو نصر السراج في كتاب «اللمع»، وهناك نظائر كثيرة من التأويل الرمزي للعبادات الأخرى كالصلاة والصوم. يقول السراج:
4
فإذا بلغوا (أي الحجاج) الميقات غسلوا أبدانهم بالماء وغسلوا قلوبهم بالتوبة، وإذا نزعوا ثيابهم للإحرام تجردوا وحلوا العقد واتزوا وارتدوا، فكذلك نزعوا عن أسرارهم الغل والحسد،
5
Página desconocida