El Sufismo: La Revolución Espiritual en el Islam
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Géneros
وقد عرف المحاسبي بطريقته الخاصة التي من أجلها سمي «المحاسبي»، وهي طريقة إخضاع الأعمال والأفكار للنقد والاختبار لمعرفة مدى صدقها ومراعاتها لحقوق الله، وهذا هو معنى الرعاية الذي ألف فيه كتابا خاصا، وتقتضي هذه الطريقة البحث عن معقولية العلم، فإنه ليس كل علم نظري معقولا. كما تتضمن البحث في ماهية الإيمان والمعرفة؛ لأن هناك فرقا بين العلم بالإيمان، والعلم به مع العمل؛ ولهذا اتخذ المحاسبي «الإيمان بالله» أساسا بنى عليه جميع أحوال القلب وحركاته، ووظيفة العقل عنده
7
ليست في إدراك الخير والشر، ولكن عمله منحصر في إدراك الحكمة في تفضيل الله لفعل على فعل؛ أي إن العقل وحده غير كاف في معرفة الخير والشر كما ذهبت إليه المعتزلة، ولكنه كاف في إدراك حكمة التشريع الإلهي، ومن هذا الطريق تحصل الفوائد الروحية للنفس وتصح إراداتها. (1) مدرسة نيسابور في القرن الثالث
في منتصف القرن الثالث الهجري انتقل مركز التصوف من بلخ أقدم مركز للتصوف في خراسان إلى نيسابور حيث ظهرت فرقة «الملامتية»، ولم تكن مدرسة نيسابور منقطعة الصلة بمدرسة بلخ ومدرسة بغداد، بل كانت على صلة بهما عن طريق الزيارة والتلمذة والصحبة.
ويقوم التصوف الملامتي على أساسين رئيسيين؛ «الملامة» و«الفتوة»، وهما أكثر المصطلحات جريانا على ألسنة أهل هذه الفرقة. أما «الملامة» فيقصدون بها كبح النفس واتهامها وتأنيبها على ما فرط منها، ورؤية التقصير فيما يصدر عنها من أعمال الطاعة، وأما «الفتوة» فاسم أطلق في الأصل على مجموعة من الفضائل، أخصها: الكرم والسخاء والمروءة والشجاعة، فلما دخلت إلى أوساط الصوفية اكتسبت معنى الإيثار والتضحية وكف الأذى وبذل الندى وترك الشكوى وإسقاط الجاه ومحاربة النفس، وقد ظهرت كل هذه المعاني في كتابات الصوفية والملامتية على السواء، وشكلت أفكارهم ونظرتهم إلى الحياة الروحية. بل إن النظرية الملامتية على الملامة - فيما أرى - فرع من نظريتهم في الفتوة.
ومن أشهر رجال الملامتية الذين عرفت لهم نظريات في الفتوة الصوفية تختلف نوعا ما عن نظريات البغداديين: أبو حفص الحداد وحمدون القصار. قيل إن مشايخ بغداد اجتمعوا يوما عند أبي حفص فسألوه عن الفتوة فقال: «تكلموا أنتم، فإن لكم العبارة واللسان.» فقال الجنيد: «الفتوة إسقاط الرؤية وترك النسبة.» فقال أبو حفص: «ما أحسن ما قلت، ولكن الفتوة عندي أداء الأنصاف وترك مطالبة الإنصاف.» فقال الجنيد: «قوموا يا أصحابنا فقد زاد أبو حفص على آدم وذريته.»
8
فالفتوة عند الجنيد «إسقاط الرؤية» أي عدم النظر إلى الأعمال نظرة اعتبار وتقدير، وهي «ترك النسبة» أي إسقاط العلائق والروابط التي تربط الإنسان بأي موجود سوى الله، وعلى ذلك فالفتوة عنده هي الزهد الكامل. أما أبو حفص فيرى الفتوة في أداء ما يراه الصوفي إنصافا وعدلا؛ أي القيام بجميع الواجبات الشرعية والاجتماعية دون أن يطالب القائم بها بإنصاف من جانب الشرع أو جانب المجتمع. أي إن الفتوة عنده هي التضحية الخالصة.
9
وليس الجديد في مدرسة نيسابور الملامتية أنها أضافت مصطلحات أو صيغا جديدة في التصوف، ولكن الجديد فيها أنها عنيت ببحث الجانب السلبي للمعاني الصوفية التي كانت سائدة في عصرها؛ فالملامتي لا يتحدث عن مدح الأفعال والثناء عليها بقدر ما يتحدث عن ذم الأفعال واللوم عليها ورؤية التقصير فيها، وهو لا يتكلم عن الإخلاص بقدر ما يتكلم عن الرياء، وهو يفضل الحديث عن نقائص الأعمال ومساوئها على الكلام في مناقب الأعمال ومحاسنها؛ ولهذا كثر في مذهب رجال الملامة الكلام عن «النفس اللوامة» و«جهاد النفس» و«رعونات النفس» و«دعاويها» و«العبودية» و«التضحية» ونحو ذلك من المعاني التي تعبر عن روح مذهبهم، تلك المعاني التي تسربت إلى تصوفهم من مصدرين أساسيين؛ الفلسفة الزرادشتية المجوسية، ونظام الفتوة، وكلا المصدرين فارسي أو فارسي هندي.
Página desconocida