Traducción en el mundo árabe: la realidad y el desafío: en la luz de una comparación estadística claramente significativa

Shawqi Jalal d. 1450 AH
161

Traducción en el mundo árabe: la realidad y el desafío: en la luz de una comparación estadística claramente significativa

الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة

Géneros

ومسألة التعريب هي في ظني ذات شقين: (أ)

العلاقة بين لغة العلم واللغة الطبيعية في المجتمع. (ب)

صياغة المصطلحات العلمية.

والشق الأول شق أصيل؛ ذلك أننا بحاجة إلى بحث حقيقة أبنية اللغة الطبيعية وبحث العلاقة بين اللغة العلمية بما لها من خصوصيات، وبين أبنية اللغة الطبيعية السائدة، وإلى أي حد تعتبر هذه العلاقة معززة أو معوقة لصياغة الفكر العلمي؛ فقد تكون أبنية اللغة الطبيعية في المجتمع، كما هو شأنها في الحضارات السابقة على حضارة الصناعة، تعبيرا عن فكر أو ثقافة اجتماعية ترى الوجود تجليات، وترى الظواهر موضوعا لتأملات نظرية مجردة، ونتائج منسوبة إلى علة خارج الذات والطبيعة، وتجاوز فكر الإنسان وقدراته على البحث والاستكشاف. وها هنا تكون اللغة أو أبنية الفكر الاجتماعي حائلا دون فعالية الإرادة الإنسانية للتغيير واستكشاف قوانين اطراد الظواهر الطبيعية، أو لنقل: أبنية تقنع بالتواكل والكسل الفكري والإحالة إلى علة خارقة؛ إذ تكفي عبارة كلامية ينتهي عندها الإشكال، ويقنع الإنسان/المجتمع بالتفسير الذي يتجاوز الطبيعة التي هي موضوع البحث العلمي. بينما البحث العلمي له لغة المنطق من حيث العلة والمعلول، وبعدا الزمان والمكان والعلاقات بين ظواهر طبيعية لها قوانينها التي تعبر عن حركتها واطرادها، ونشأتها وتكوينها، وتهيئ للإنسان إمكانية التحكم والسيطرة؛ أي أن تكون ساحة لفعالية الإنسان وممارسة إرادته في التغيير.

ويرتبط هذا بأوثق ارتباط بالمنهج؛ ذلك لأن المنهج ليس فقط قواعد بحث، بل توجه عقلي، ونهج في الفهم، وأسلوب لغوي في الصياغة، ونحو في التعامل مع الواقع موضوع الدراسة.

لغتان وقطيعة معرفية

فاللغة بمترادفاتها السالفة الذكر هي الإنسان/المجتمع دورا وعلاقات وفاعلية وأسلوب هذه الفاعلية؛ فقد تكون اللغة في مجتمع ما - وبحكم هذه الاعتبارات - لغة غارقة في تهويمات ومفردات وعبارات نظرية مجردة أو تأملية ميتافيزيقية، ومن ثم تكشف عن مسافة فاصلة هي مسافة واقعية، تفصل بين اللغة وبين التعبير الذي يجسد فعالية مادية مباشرة وإيجابية بين الإنسان/المجتمع والوجود، ومثل هذه اللغة تنتظر من الإنسان/المجتمع أن يستن سنة جديدة في علاقته أو في حواره مع الوجود؛ أي تنتظر تحولا حضاريا لتكون اللغة هي لغة الحضارة الجديدة وفكرها ومفاهيمها وفعاليتها الإنتاجية؛ ولهذا يقال: إن التحول الحضاري، وهو في جوهره تحول مادي/فكري، أو مادي/روحي، كما يفضل البعض أن يسميه، هو أيضا بالضرورة تحول في اللغة، أو أن لكل حضارة لغتها من حيث المدلول والتعبير عن الإنسان/المجتمع الجديد في علاقته الإنتاجية النشطة بالوجود، وكذا من حيث النظرة إلى الوجود ونهج التعامل معه.

ولعل هذا هو أحد الأسباب في أن البعض يقاوم ويتشدد في مقاومته لأي تجديد حضاري باسم الحفاظ على اللغة، خاصة إذا كانت اللغة هي إحدى خصوصياته أو مرتكزاته الحضارية التي بدونها يغدو صفرا من كل شيء حسب مفهومه التقليدي، وكأن حضارته هي فقط صياغة لغوية ومضامين تقليدية ورسوم كلامية مكتوبة أو مقروءة، وليست فكرا وقيما ونشاطا إبداعيا له تاريخ؛ أي لا يراها تاريخية الدلالة ومرحلة من مراحل تطور اجتماعي مطرد المضمون أبدا، ومثل هذه اللغة تكون عائقا أمام لغة العلم، بل وأمام منهج البحث العلمي والفهم العلمي للظاهرة؛ ذلك لأنها تضع الإنسان/المجتمع أسير نظرة إلى العالم منافية معرفيا لنظرة العلم.

إن مصطلح السبب أو السببية في لغة التقليد مناف مدلولا ونطاقا لمصطلح السببية في لغة العلم. ولغة التأمل النظري للظواهر من حيث هي تجليات، تحد من قدرة الإنسان على الفعالية الإيجابية واقتحام الظاهرة وفهم قوانينها وتغيرها والخطو بها نحو هدف أو مصير يقرره الإنسان. وتعزو مثل هذه اللغة أسباب الظاهرة إلى علة خارجها، حتى ليتعذر فهمها على نحو آخر، وكل من يحاول التعبير بمثل هذه اللغة عن ظواهر العلم وعن منهج البحث العلمي وإنجازاتها سوف يجد أن لغة التقليد لن تطاوعه، بل سوف يخلط بين اللغتين غصبا ويشوههما؛ فلا هي لغة تأمل ميتافيزيقي في ظاهرها، ولا هي لغة علم في حقيقتها، وإن ظل هو من حيث الفعل والفكر خارج ساحة العلم.

إن لغة العلم هي لغة تغيير الظاهرة بفضل فعل إنساني إيجابي بعد فهم أسبابها من داخلها، وإيمان بقدرة الفاعلية الإنسانية على التحكم في مسارها، ومن ثم في مصير الإنسان. وصورة الكون والإنسان في لغة التقليد أو حضارة ما قبل المنهج العلمي، صورة تعبر عنها لغة تساوي فكرا سكونيا ثباتيا مطلقا لا تاريخيا. على عكس الحال في العلم؛ فالتحدث بلغة العلم لا ينقل صورة العالم إلى صاحب الفكر التقليدي؛ فلكل لغة صورتها عن الوجود أو رؤيتها أو فكرها. وصاحب الفكر التقليدي إذا ما اصطنع لغة العلم في حديثه إنما يصطنع رطانا غير ذي مدلول ما لم تحدث وظيفة معرفية تجعله يرى العالم من خلال إطار معرفي/قيمي جديد هو إطار العلم؛ لذلك نرى التقليدي يصوغ عبارات إنشائية عصرية الشكل ليحدثنا عن صورة تقليدية، ويبين لنا بوضوح أن المفكر التقليدي، بدون هذه الوظيفة المعرفية اجتماعيا والمتجاوبة مع نشاط مجتمعي، يرتد أو ينتكس سريعا إلى التقليد فكرا أو سلوكا؛ أي إطار معرفي/قيمي؛ فهو في باطن فكره له الحاكمية ومقطوع الصلة بالواقع.

Página desconocida