وإنما تكلم على الفصول التي بين الفصلين المذكورين. لأن غرضه -وهو الكلام على علل المقامات- كان متعلقًا بها. وقد استغرق الكلام عليها نحو ٢٨٠ صفحة من نشرتنا هذه، أي نحو ثلث الكتاب. فهو بمنزلة رسالة مستقلة في نقد كتاب ابن العريف. وإذا كان المبحث السابق وهو القضاء والقدر وما إليه قد يشعر القارئ باستطالته مع خطره وجلالته، وبأن ابن القيم ﵀ لو كان ألّف كتابه الكبير من قبل لأحال عليه وأوجز القول هنا، كما فعل في حاشيته على السنن = فإن هذا المبحث -وهو علل المقامات- قد وقع في حاقّ موضعه، وهو من صميم موضوع الكتاب. وذلك لأن هذه المقامات هي مقامات السلوك ومنازله، فيجب على السالك أن يعرف عللها وقوادحها، فيتجنبها ويتحاشاها، لينجح مسعاه ويحمد مسراه.
ومن المصائب أن جميع المقامات التي ذكرت في الكتاب والسنة، ووصف بها الأنبياء وغيرهم من عباد اللَّه الصالحين قد جعلها أرباب الطرق معلولة ومن مقامات العوامّ من السالكين. ومراتب الخاصة فوقها، ثم مراتب خاصّة الخاصّة. فلم يكن محيص من التعرض لهذه العلل في هذا الكتاب الذي قصد به بيان قواعد السلوك الشرعي.
وكان من السهل أن يعقد ابن القيم ﵀ بابًا كاملًا في علل المقامات، ولكنه لم يفعل، بل جاء كلامه عليها عرضًا في الظاهر، كأنه لم يصمد إليها صمدًا، ولم يكن ذلك من همّه ووكده. ولعل هذا رفق منه بقارئ كتابه، وتلطف وإيناس له، لكيلا يستوحش من البداية، فينفر نفورًا. فلننظر كيف دلف ابن القيم إلى هذا البحث النفيس الخطير.
عقد ابن القيم فصلًا (٤٠٣) بعنوان "قاعدة نافعة"، وذكر أن الإنسان
المقدمة / 32