تاريخ تأليف الكتاب
لم أجد في مخطوطات الكتاب أو غيرها نصَّا على التاريخ الذي فرغ المؤلف فيه من تأليف هذا الكتاب، ولكن أذكر فيما يلي بعض الإشارات التي تعين على تقديره.
خرج الإمام ابن القيم ﵀ من السجن بعد وفاة شيخه فيه سنة ٧٢٨ هـ. "وكان في مدة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن وبالتدبر والتفكر، ففتح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة. وتسلّط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم. وتصانيفه ممتلئة بذلك"، كما يقول تلميذه الحافظ ابن رجب في ترجمته (^١). وإذا استعرضنا مؤلفات ابن القيم لم نجد كتابًا تصدق عليه كلمة ابن رجب هذه صدقها على كتابنا طريق الهجرتين وكتاب مدارج السالكين. فكلاهما وضع في علم السلوك، وهما يشهدان حقًا بما أوتي المؤلف من "تسلّط" على الكلام في العلوم والحقائق التي تنقطع عندها العبارة، وتجفو عنها الإشارة، كما يقول أصحابها. فالظاهر أن الكتابين من الكتب التي ألّفت بعد خروج المؤلف من السجن سنة ٧٢٨ هـ. وقد تبيّن ممّا سبق أن طريق الهجرتين ألّف قبل مدارج السالكين لأن المؤلف قد أحال في المدارج أربع مرات على كتابنا هذا.
ثم في طريق الهجرتين مبحث طويل في القدر، جاء على سبيل الاستطراد ولكنه طال جدًّا لأهميته البالغة. وللمؤلف كتاب مستقلّ في
_________
(^١) الذيل على طبقات الحنابلة (٥/ ١٧٣).
المقدمة / 19