El Camino de las Dos Migraciones

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
142

El Camino de las Dos Migraciones

طريق الهجرتين - دار ابن القيم

Investigador

محمد أجمل الإصلاحي

Editorial

دار عطاءات العلم (الرياض)

Número de edición

الرابعة

Año de publicación

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

Ubicación del editor

دار ابن حزم (بيروت)

Géneros

Sufismo
والجوارحَ بالأعمال، وأنَّها مدبَّرةٌ تحت تسخيره مذلّلةٌ تحت قهره، وأنَّها أعجز وأضعفُ (^١) أن تتحرك بدون مشيئته، وأنَّ مشيئتَه نافذةٌ فيها كما هي نافذة في حركات الأفلاك والمياه والأشجار، وأنَّه حرَّك كلًّا منها بسبب اقتضى تحريكه، وهو خالق السبب المقتضي، وخالقُ السبب خالقٌ للمسبَّب، فخالقُ الإرادة الحادثةِ (^٢) التي هي سببُ الحركة والفعل الاختياري خالقٌ لهما، وحدوثُ الإرادة بلا خالقٍ مُحدِثِ محالٌ، وحدوثُها بالعبد بلا إرادة منه مُحالٌ، وإنْ كان بإرادة فإرادتُه للإرادة كذلك، ويستحيل هنا (^٣) التسلسل، فلا بُدَّ من فاعلٍ أوجدَ تلك الإرادة التي هي سبب الفعل. وهنا (^٤) يتحفق الفقرُ والفاقةُ والضرورةُ التامة إلى مالك الإرادات وربِّ القلوب ومصرِّفها كيف شاء، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه، وما شاء أن يقيمه منها أقامه ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)﴾ [آل عمران/ ٨]. فهذا هو الفقرُ الصحيح المطابق للعقلِ والفطرة والشرع، ومن خرج عنه وانحرف إلى أحد الطرفين زاغ قلبه عن الهدى، وعطَّل مُلْكَ الملِك الحقِّ وانفراده بالتصرف والربوبية عن أوامره وشرعه وثوابه وعقابه. وحُكْمُ هذا الفقيرِ المضطرِّ إلى خالقه في كلِّ طرفة عين وكلِّ نفس أنّه إن حُرِّك بطاعةٍ أو نعمةٍ شكرها وقال: هذا من فضل اللَّه ومنِّه وجوده، فله

(^١) "ط": "أضعف من أن". (^٢) "ك، ط": "الجازمة"، تحريف. (^٣) كذا في الأصل و"ن". وفي "ف" وغيرها: "بها". (^٤) كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "فهنا"، وهو مقتضى سياق الكلام الذي طال، فسياقه: "فمتى اجتمع له هذا الشهود. . . فهنا يتحقق الفقر".

1 / 56