أدناس مطالعات (^١) المقامات".
فهذه الدرجة أرفع من الأولى وأعلى، والأولى كالوسيلة إليها؛ لأنَّ في الدرجة الأولى يتخلَّى بفقره عن أن يتألَّه غيرَ مولاه الحق، وأن يضيّع أنفاسَه في غير مرضاته (^٢)، وأن يفرق همومَه في غير محابّه، وأن يؤثر عليه غيرَه (^٣) في حالِ من الأحوال. فيوجبُ له هذا الخلوُّ (^٤) وهذه المعاملةُ صفاءَ العبودية، وعمارة السرِّ بينه وبين اللَّه، وخلوص الوداد والمحبة (^٥). فيصبح ويمسي، ولا همَّ له غير ربه، قد قطع همُّه بربِّه عنه جميعَ الهموم، وعطَّلت إرادته له (^٦) جميع الإرادات، ونسخت محبتُه له من قلبه كل محبةٍ لسواه، كما قيل (^٧):
لقد كان يسبي القلبَ في كلِّ ليلة ... ثمانون بل تسعون نفسًا وأرجحُ
يهيمُ بهذا ثمَّ يألفُ غيرَه ... ويسلوهُمُ من فورِه حينَ يُصبِحُ
وقد كان قلبي ضائعًا قبل حبِّكم ... فكان بحبِّ الخلقِ يلهو ويمرَحُ