هو (^١) بعدُ في مَشِيمة النفس والظلمات الثلاث التي (^٢) هي: ظلمة النفس، وظلمة الطبع، وظلمة الهوى. فلا بدَّ من الولادة مرَّتين كما قال المسيح للحواريين: "إنَّكم لن تلِجوا ملكوتَ السماء حتى تولَدوا مرَّتين" (^٣).
ولذلك كان النبي ﷺ أبًا للمؤمنين، كما في قراءة أُبيّ: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم" (^٤). ولهذا تفرع على هذه الأبوة أن جُعِلت أزواجه أمّهاتِهم، فإن أرواحهم وقلوبهم وُلِدت به ولادةً أخرى غيرَ ولادة الأمهات، فإنّه أخرج أرواحهم وقلوبهم من ظلمات الجهل والضلال والغيّ إلى نور العلم والإيمان وفضاء المعرفة والتوحيد، فشاهدتْ حقائق أُخر وأمورًا لم يكن لها بها شعور قبله.
قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)﴾ [إبراهيم/ ١].
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)﴾ [الجمعة/ ٢].
وقال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ