الأبناء
ذاك وعلموا
وتسارعوا للعار في أعمالهم
والفسق والبهتان إن يتكلموا
وأخذت تشير إلى المدير فيما تحته خط، وهو بالطبع مع الإشارة يعد سبا علنيا، وأدت الفتاة مأموريتها، ثم عادت أدراجها.
وكانت قصيدة ناظرة مدرسة المعلمات والفتاة الصغيرة التي شتمت المدير أمام سمو الخديوي سمر الناس في ليلتهم.
وفي صباح الغد ذهب الناس لتوديع سمو الخديوي على المحطة، وأخذت تلميذات المدرسة الابتدائية التي كنت أديرها، وذهبت لأودعه، وكنت قد طبعت خمسة آلاف نسخة من القصيدة، وذاع ذكر القصيدة بين الناس، وما كادوا يروننا على إفريز المحطة حتى أخذوا يسألوننا عنها، وكان جميع أعيان المنصورة هناك لتوديع سمو الخديوي، فوزعت عليهم نسخ القصيدة بعد أن شرحت لهم في الليلة الماضية، فكنت ترى أصدقاء المدير إذا وقعت في يدهم نسخة من القصيدة ذهبوا إليه ليطلعوه عليها، أما عامة الناس فكانوا يغتبطون بقراءتها، ويتلذذون بإلقاء بعض الأسئلة على معلمي المدرسة، فيسأل أحدهم أحد معلمينا: «من هو الأرقم يا أستاذ؟» فيقول المعلم: «الدهر يا أخي!»
ويظهر لي أنه حصل سوء تفاهم بين المدير وسمو الخديوي، ولا أدري إذا كان للقصيدة شأن في هذا أم لا، ولكن المشاهد الذي رآه الناس أن سمو الخديوي لم يأخذه معه في صالونه، مع أن العادة تقضي أن يركب المدير مع سموه إلى آخر حدود مديريته، ووقف صالون سمو الخديوي في مكان بعيد عن إفريز المحطة، فاضطر المدير أن ينزل، وأن يتخطى قضبان السكة الحديد إلى المكان الذي وقف فيه الصالون فزلت قدمه وسقط بين القضبان ثم قام.
وبعد أن سار القطار بالخديوي جاءني المدير ومعه وكيل المديرية والحكمدار، فحياني باليد وضغط على يدي قائلا: إن سمو الخديوي سر منك سرورا عظيما. وهو يريد بذلك أن يهددني بالانتقام مني لما فعلته، وأردت أن أجيبه على تهديده بمثله، فقلت في لهجة المستفهم، وفي ابتسامة فاترة: «ومين اللي قال لك إنه سر مني؟ ده ما خدكش وياه في الصالون، ولقد أسفت كثيرا لسقوطك على قضبان الحديد، وأرجو أن لا يكون قد أصابك ضرر منه.»
وأردت بذلك أن أقول له: لا يهمني تهديدك، ويكفيني مذلتك اليوم، وكان جوابي بشكل مضحك حقا حتى أغرق وكيل المديرية والحكمدار في الضحك.
Página desconocida