La era de los Califas Rectos: Historia de la Nación Árabe (Parte Tres)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Géneros
بعد أن أتم خالد ترتيب أموره عقب فتح المذار بعث إليه أردشير بقائد قوي الشكيمة يدعى «أندرزغر»، ثم ألحق به القائد «بهمن جاذويه»، فسار «أندرزغر» حتى أتى كسكر، ثم سار نحو الولجة، وسار بهمن في طريق آخر وسط السواد، ولما بلغ خالدا قدوم هذين الجيشين عليه نادى المسلمين أن يتأهبوا ويحذروا ويتركوا الغفلة والاعتزاز، حتى إذا بلغ بهم «الولجة» تلقاه «أندرزغر»، فاقتتلوا أشد قتال حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، ثم إن الله ثبت جنده وأعانهم، فغلبوا الفرس وهزموهم وتفرقت جموعهم، وانهزم أندرزغر يهيم على وجهه والقوم من ورائه حتى مات عطشا، والمسلمون يتبعون الفرس وخالد يحثهم على اتباعهم، ويقول للعرب مرغبا إياهم ببلاد العجم، ومزهدا إياهم ببلاد العرب، فكان مما قاله: «ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب، وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكتب إلا للمعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف، حتى نكون أولى به، ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه.» حتى كتب الله النصر للعرب، وفتحت «بلاد الولجة»، وسار خالد بالفلاحين سيرته بهم في المذار فلم يقتلهم بل أبقاهم في أرضهم بعد أن أخذ الجزية، ولم يسب إلا ذراري المقاتلة ومن أعانهم من عرب بكر بن وائل الذين انضموا إليهم.
فتح أليس وأمغيشيا
رأينا أن خالدا أسر وسجن بعض ذراري المحاربين، وفيهم بعض العرب مثل ذراري بكر بن وائل؛ فغضب لهم قومهم البكريون وكاتبوا الفرس على الانتقام من خالد وأصحابه، واتعدوا «أليس» فاجتمعوا عندها بجيش كبير من الفرس والعرب، وكان على الفرس «بهمن روز» وعلى العرب عبد الأسود العجلي، وعلم خالد بمجمعهم، فسار إليهم حتى بلغ أليس، فتقدم جيشه ونادى: أين عبد الأسود؟ أين مالك بن خالد؟ فقال له خالد: يا ابن الخبيثة! ما جرأك علي من بينهم وليس فيك عزم ولا غناء؟ فضربه فقتله، فدهش العرب والأعاجم، ثم التقى الجمعان والمشركون يزيدهم كلبا وضراوة ما كانوا يتوقعون من قدوم «بهمن جاذويه» إليهم، فصادوا المسلمين، واشتد عليهم خالد، وهجم على القوم وهو يقول: «اللهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدا أقدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم.» ثم إن الله أظفر خالدا وقومه بالمشركين فأعملوا سيوفهم وفتكوا بهم وأجروا دماءهم في النهر حتى صار ماؤه أحمر عبيطا، ولحق بهم جيش المسلمين وفتح أمغيشيا، ثم بعث خالد إلى أبي بكر يخبره بفتح «أليس» و«أمغيشيا» وبالخمس وبقدر الفيء وبعدة السبي، ولما دخل الرسول على أبي بكر مبشرا قال له: ما اسمك؟ قال: جندل، فقال أبو بكر:
نفس عصام سودت عصاما
وعودته الكر والإقداما
ثم أمر له بجائزة، وخطب أبو بكر في الناس، فكان فيما قاله لهم: «يا معشر قريش، عدا أسدكم على الأسد فغلبه، ولقد عجزت النساء أن ينشئن مثل خالد.»
10
فتح الحيرة
بعد أن تم لخالد فوزه في «أمغيشيا» سار إلى «الحيرة» في البر والفرات، فهدم المرازبة السدود، وأمرهم زعيمهم «أزادبه» وابنه أن يقطعوا مياه الفرات، فتوقفت سفن المسلمين واضطروا أن يخرجوا منها إلى البر، فجمع خالد جموعه وسار نحو جيش ابن «أزادبه» فتلقاه على فم الفرات عند بادقلى، واقتتل الجمعان أشد قتال حتى كان الفوز لخالد عند فرات بادقلى، ثم سار خالد حتى نزل بين الخورنق والنجف، ففر «أزادبه» لما بلغه من تفرق جيش ابنه وموت أردشير، فلحق به خالد حتى حاصر الحيرة والقصر الأبيض وقصر العدسيين وقصر بني مازن وقصر ابن بقيلة، وجعل على حصار كل واحد من هذه القصور قائدا يحاصر من فيه، فجعل على القصر الأبيض ضرار بن الأزور، وعلى قصر العدسيين ضرار بن الخطاب، وعلى قصر ابن مازن ضرار بن مقرن، وعلى قصر ابن بقيلة المتين بن حارثة الشيباني، وحاصر هو نفسه الحيرة، وأمر القادة أن يطلبوا إلى من في تلك القصور من المقاتلين التسليم والخضوع للإسلام ودفع الجزية، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، ولهم يوم وليلة يفكرون في الأمر، وقال لأمرائه: لا تمكنوا أعداءكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر، ولكن ناجزوهم ولا تردوا المسلمين عن قتال عدوهم.
ولما مضى الأجل انقض عليهم المسلمون من كل صوب يرشقونهم بالسهام والحجارة والنبال حتى ضاق سكان القصور والمحاربون بالحصار، وضج أهل الأديار من القسيسين والرهبان المقيمين في الديور المجاورة بهذا الحصار، وصاحوا بأهل القصور: ما يقتلنا غيركم، فنادى أهل القصور: يا معشر العرب، قد قبلنا اختيار واحدة من الثلاث: الإسلام أو الجزية أو المناجزة، فكفوا عنا حتى يقابل زعماؤنا زعيمكم، ثم خرج من القصور زعماؤهم، وهم: إياس بن قبيصة، وعدي بن عدي، وأخوه عمرو، وعمرو بن عبد المسيح الملقب ببقيلة، وحيري بن أكال، وذهبوا إلى خالد فخلا بأهل كل قصر على حدة، وبدأ بعدي فقال له ولمن معه: ويحكم، ما أنتم؟ أعرب، فما تنقمون من العرب؟ أو عجم، فما تنقمون من الإنصاف والعدل؟! فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادونا وتكرهوا أمرنا، ثم خيرهم بين الأمور الثلاثة، فاختاروا إعطاء الجزية، فقال خالد: تبا لكم! ويحكم! إن الكفر فلاة مضلة، فأحمق العرب من سلكها! ولكنهم أصروا على طلبهم فلم يعارضهم خالد، ثم استقبل الآخرين فكان من أمرهم ما كان من أمر عدي، ثم إن خالدا كتب لهم جميعا كتابا هذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عديا وعمرا ابني عدي، وعمرو بن عبد المسيح، وإياس بن قبيصة، وحيري بن أكال، وهم نقباء أهل الحيرة، ورضي بذلك أهل الحيرة وأمروهم به؛ عاهدهم على تسعين ومائة ألف درهم تقبل في كل سنة جزاء عن أيديهم في الدنيا رهبانهم وقسيسيهم، إلا من كان على غير ذي يد حبيسا عن الدنيا تاركا لها، وسائحا تاركا للدنيا، وعلى المنعة، فإن لم يمنعهم فلا شيء عليهم حتى يمنعهم، وإن غدروا بفعل أو بقول فالذمة منهم بريئة، وكتب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة.»
Página desconocida