La era de los Califas Rectos: Historia de la Nación Árabe (Parte Tres)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Géneros
قال ابن جرير الطبري: وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وبعثت أم الفضل بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب كتابا إلى أمير المؤمنين علي تخبره بالخبر مع ظفر الجهني، فلما قرأ الرسالة وعلم نكث الزبير وطلحة بالبيعة واجتماعهما مع عائشة، وقف فخطب الناس في المسجد وقال: «أما بعد: فإن الله بعث محمدا للناس كافة وجعله رحمة للعالمين، فصدع بما أمر ربه، وبلغ رسالات ربه فلم به الصدع، ورتق به الفتق، وآمن به السبل، وحقن الدماء، وألف به بين ذوي الإحن والعداوة، والوغر في الصدور والضغائن الراسخة في القلوب، ثم قبضه الله إليه حميدا، وكان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة، فتولى أبو بكر، وبعده عمر، ثم تولى عثمان، فلما كان من أمره ما عرفتموه ثم أتيتموني فقلتم: بايعنا، فقلت: لا أفعل، فقلتم: بلى، فقلت: لا، وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتكم فجذبتموها، حتى تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعضا، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين ثم مكرهين، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وألا يبغيا الأمة الغوائل، فعاهداني ثم لم يفيا لي، ونكثا بيعتي ونقضا عهدي، فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي! ولست بدون أحد الرجلين، ولو شئت أن أقول لقلت: اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا في أمري وظفرني بهما.»
وقال في خطبة ثانية حين بلغه مسيرة عائشة: «أما بعد : فإن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه، أما طلحة فابن عمها، وأما الزبير فختنها، والله لو ظفروا بما أرادوا، ولن ينالوا ذلك أبدا، ليضربن أحدهما عنق الآخر بعد تنازع منهما شديد، والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة، أي والله ليقتلن ثلثهم، وليهربن ثلثهم، وليتوبن ثلثهم، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب، وإنهما ليعلمان أنهما مخطئان، ورب عالم قتله جهله معه علمه لا ينفعه، حسبنا الله ونعم الوكيل؛ فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية، أين المحتسبون؟ أين المؤمنون؟ ما لي ولقريش؟ والله لقد قتلتهم كافرين، ولأقتلنهم مفتونين، وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في صيرنا، والله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته، ثم إنه دعا وجوه أهل المدينة فقال لهم: إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم ...»
ثم إن الإمام استخلف على المدينة سهل بن حنيف، وقيل: بل تمام بن العباس، وعلى مكة قثم بن العباس، وخرج في تعبيته التي عبأها لأهل الشام في آخر ربيع الأول سنة 36ه حتى أتى «الربذة» فاجتمع إليه الناس وسار نحو «فيد».
أما عائشة وجماعتها فإنها بعد أن بلغت «الحوأب» تركته نحو «البصرة»، فلما قربت منها أرسلت عبد الله بن عامر بن كريز الذي كان أميرا على البصرة من قبل عثمان، فاندس إلى البصرة، وكتبت إلى الأحنف بن قيس وجماعة من وجوه المدينة تدعوهم لنصرتها، وأقامت «بالحفير» تنتظر الجواب، ولما بلغ ذلك مسامع عثمان بن حنيف أمير البصرة من قبل علي أرسل إليها عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي، فلما دخلا عليها سلما وسألاها عن سبب مسيرها، فقالت: إن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله وأحدثوا فيه، وآووا المحدثين، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فسفكوا الدم الحرام، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام في الشهر الحرام، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء وما الناس فيه وراءنا، ثم تلت قوله تعالى:
لا خير في كثير من نجواهم
إلى آخر الآية ... فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه، والسلام.
ثم خرجا من عندها وأتيا طلحة فقالا له: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان، قالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى، والسيف على عنقي، وما أستقيل بيعتي إن لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان، ثم أتيا الزبير فقال لهما مثل ذلك، ثم رجعا إلى عثمان بن حنيف أمير البصرة، فقالا له: إنها الحرب فتأهب لها، فنادى عثمان بالناس ودعاهم إلى المسجد وأمرهم بالتجهز، ثم أقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى «المربد»، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه.
ثم تكلم طلحة فحمد الله وأثنى عليه، وذكر عثمان بن عفان وفضله، ودعا إلى الطلب بدمه، ونزل، ثم وقف الزبير فقال مثل قوله، فقال أصحابهما: «صدقا وبرا»، وقال أصحاب ابن الحنيف: «فجرا وغدرا»، تحاثى الناس وتحاصبوا ووقعوا في أمر مريج، فوقفت عائشة - وكانت جهورية الصوت - فقالت: كان الناس يتجنون على عثمان، ويزرون على عماله، ويأتوننا في المدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنه، فننظر في ذلك فنجده برا تقيا وفيا، ونجدهم فجرة غدرة كذبة، فلما قووا كاثروه واقتحموا عليه داره، واستحلوا الدم الحرام، والشهر الحرام، والبلد الحرام، بلا ترة ولا عذر، ثم قرأت قوله تعالى:
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، إلى آخر الآية، وسكتت، فافترق أصحاب ابن حنيف فرقتين، قالت إحداهما: صدقت وبرت، وإن من جاءوا معها يطالبون بحق، وقالت الأخرى: إن من جاءوا معها كاذبون ضالون، ثم تحاصب الطرفان ووقع الهرج والمرج، فجاء جارية بن قدامة السعدي فقال لها: يا أميرة المؤمنين، لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الأنكد عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك يرى قتلك، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس، فلم تعر قوله هذا التفاتا، ثم نشب القتال بين الجانبين حتى أدركهم الليل.
وفي الصباح نشب القتال من جديد، وكثر القتل في أصحاب ابن حنيف، وكثر الجرح في الفريقين وعضتهم الحرب، وكتب طلحة والزبير إلى أهل الشام كتابا يخبرانهم فيه بذلك ويحثانهم على النهوض، ومما جاء فيه قولهما: «إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله، فبايعنا خيار أهل البصرة وخالفنا أشرارهم قائلين: نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحرب وحثتهم عليه، وإننا يا أهل الشام نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به.»
Página desconocida