La era de los Califas Rectos: Historia de la Nación Árabe (Parte Tres)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Géneros
اجتمع نفر من سراة أهل الكوفة ووجوههم إلى أميرهم سعيد بن العاص، وعاتبوه على أمور ظهرت في عهد عثمان، منها: استبداد قريش بأموال السواد العراقي، وتملكها لأطايب الأرض وخيراتها، وعظمت روح التمرد والفتنة بين صفوفهم، وأحس سعيد بن العاص ببادرة سوء فكتب بذلك إلى عثمان كما أسلفنا، فأجابه عثمان أن يبعث برؤساء أهل الفتنة إلى معاوية، فأتوه وهم بضعة عشر رجلا، وكان عثمان قد كتب إليه: «إن أمير الكوفة قد أخرج إليك نفرا خلقوا للفتنة، فرعهم وقم عليهم، فإن آنست منهم رشدا فاقبل منهم، وإن أعيوك فارددهم عليه، فلما دخلوا الشام رحب بهم معاوية وأنزلهم في كنيسة مريم، وأجرى عليهم ما كان يجري عليهم في العراق، وجعل لا يزال يتغدى ويتعشى معهم، وقال لهم يوما: إنكم من العرب ولكم أسنان وألسنة، وقد أدركتم بالإسلام شرفا، وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشا، ولو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم، إن أئمتكم لكم إلى اليوم جنة، لتنتهن أو ليبتلينكم بمن يسومكم، ثم لا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم، فقال رجل من القوم: أما ما ذكرت من قريش، فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا، فقال معاوية: عرفتكم الآن، علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، وأنت خطيب القوم ولا أرى لك عقلا، أعظم عليك أمر الإسلام وأذكرك به وتذكرني بالجاهلية وقد وعظتك، وتزعم لما يجنك أنه يخترق ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة، أخزى الله أقواما أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم، افقهوا ولا أظنكم تفقهون إن قريشا لم تعز في الجاهلية ولا إسلام إلا بالله عز وجل، ولم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم، ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا، وأمحضهم أنسابا، وأعظمهم أخطارا، وأكملهم مروءة.»
1
وكتب معاوية إلى عثمان أنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان، أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل، لا يريدون الله بشيء، ولا يتكلمون بحجة، إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة، والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم ومخزيهم.
ثم خرج القوم من الشام ولم يذهبوا إلى الكوفة لئلا يشمت بهم الناس، بل تفرقوا في الجزيرة والشام.
2 (3) الفتنة العظمى
تولى عثمان الخلافة وهو شيخ قد ناهز السبعين من عمره ، وكان سهلا لينا مداريا، ولم يكن عنده حزم أبي بكر، ولا شدة عمر، وقد طمع المسلمون في لينه، وتنفسوا الصعداء من قوة عمر عليهم؛ فقد سمح لرجالات قريش وكبار الصحابة أن يخرجوا للأمصار ويتملكوا الدور والقصور والعقار، وترك للناس أمر زكاة أموالهم يتصرفون في إنفاقها بالطرق التي يرونها؛ فقد تدفقت الأموال على المدينة، واستغنى الناس كثيرا، وبدأت الثروات تمد أعناقها، فعمت حياة الترف وظهرت بعض الأمور المنكرة التي نهى عنها الإسلام. قال حكيم بن عباد بن حنيف: أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا وانتهى وسع الناس: طيران الحمام والرمي على الجلاهقات، فاستعمل عليها عثمان رجلا من بني ليث سنة ثمان فقصها وكسر الجلاهقات،
3
وأخذ عثمان يضرب على أيدي هؤلاء، فتذمروا منه، وأخذوا يعلنون استياءهم من سياسته، ونصرهم أبناء عمومتهم وأهليهم.
وانتهز هذه الفرصة نفر من الصحابة الذين لم تعجبهم سيرة عثمان وليونته، أمثال: عبد الله بن مسعود الهذلي، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، فأخذوا ينشرون في المجالس أقوالا يتهجمون فيها على الخليفة عثمان ويبينون هناته، وانتصرت بنو هذيل لعبد الله بن مسعود، وكذلك فعلت بنو غفار انتصارا لأبي ذر، وأخذت بذور الثورة على حكم عثمان تغرس في الحجاز ومصر، وخصوصا حين أقدم عثمان على بعض الأمور التي لم يفعلها صاحباه أبو بكر وعمر من قبل، كإقطاع الأرضين، ومنح القطائع الكبيرة لبعض أقاربه، وهو أول من فعل ذلك، كما أنه أول من حمى الحمى، وأول من أخفض صوته في التكبير، وأول من أمر بالأذان الأول يوم الجمعة، وأول من قدم الخطبة في العيد على الصلاة، وأول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم، إلى أشياء أخرى أداه اجتهاده إلى إباحتها للناس ولم يكن الرسول ولا أبو بكر ولا عمر قد أذنوا بها ولا فعلوها، فغضبت العامة وجمهور المسلمين من ذلك.
وقد استغل نفر من كبار رجالات قريش وزعماء العرب ليونة عثمان فأخذوا يجمعون الأموال ويبذخون، فتقولت العامة عليهم وعلى عثمان، حتى قال المسعودي المؤرخ: «في أيام عثمان اقتنى جماعة من أصحابه الضياع والدور، منهم الزبير بن العوام؛ فقد بنى داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت - وهو سنة 32 - تنزلها التجار وأرباب الأموال وأصحاب الجهات من البحرين وغيرهم، وابتنى أيضا دورا بمصر والكوفة والإسكندرية، وما ذكروه من دوره وضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية، وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف الزبير ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططا بحيث ذكرنا من الأمصار.
Página desconocida