La Era de la Prosperidad: Historia de la Nación Árabe (Parte Quinta)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Géneros
ولما وضع رأس علي بن عيسى بين يدي المأمون حمد الله على ذلك وأثنى عليه، وأمر أن يطاف بالرأس في خراسان، ثم دخل عليه قادته فهنئوه وسلموا عليه بالخلافة.
أما الأمين فإنه لما بلغته أخبار السوء هذه طاش صوابه، وبعث إلى نوفل خادم أخيه المأمون وقيمه في أهله وولده ووكيل أمواله وضياعه في بغداد، فصادر الأموال وقبض على الأهل والضياع، ثم وجه عبد الرحمن بن جبلة الأبناوي فنزل همذان في عشرين ألفا لمقاتلة طاهر بن الحسين، وزحف إليه طاهر والتقوا عند خراسان وتقاتلوا قتالا شديدا، وكثرت القتلى بين الجانبين حتى كاد طاهر أن يتغلب، فقال عبد الرحمن لأصحابه: «يا معشر الأبناء، أبناء الملوك وألفاف السيوف، إنهم لعجم وليسوا بأصحاب مطاولة ولا خير، فاصبروا لهم فداكم أبي وأمي.» وجعل يمر على جنوده راية راية، ويقاتل بيديه قتالا شديدا، وكاد الظفر أن يتم له، ولكن بعض أصحاب طاهر استطاع أن يحمل على أصحاب علم عبد الرحمن فقتله، ثم هجم أصحاب طاهر على الأبناء فاضطروهم إلى الهروب والدخول إلى همذان؛ فحاصرهم طاهر فيها حتى إذا اشتد الحصار عليهم طلب عبد الرحمن الأمان فأمنه طاهر، وهكذا انتهت المعركة.
ولما بلغت أخبار انتصار طاهر هذه إلى خراسان فرح المأمون كثيرا وأنعم على طاهر بلقب «ذي اليمينين»، ثم أخذ طاهر بن الحسين يطرد عمال الأمين من قزوين وسائر الجبال، ثم قتل عبد الرحمن في مدينة أسد آباد حين رآه يتآمر من جديد للفتك بجيشه، ثم سارت جيوش طاهر حتى بلغت حلوان وما إليهما ظافرة موفقة، فلما بلغ خبرها الأمين أراد أن ينقذ الموقف ولكنه فشل؛ لأنه كان مهملا لشئون دولته، قال الطبري في حوادث سنة 196ه: «إن الفضل بن الربيع لما بلغه مقتل عبد الرحمن الأبناوي قال عن الأمين: «ينام نوم الظربان لا يفكر في زوال نعمة ولا يروى في إمضاء رأي ولا مكيدة، وقد ألهاه كأسه وشغله قدحه، فهو يجري في لهوه، وقد شمر عبد الله عن ساقه، وفوق له أصيب أسهمه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ والموت القاصد، قد عبى له المنايا على متون الخيل، وناط له البلاء في أسنة الرماح وشفار السيوف.» ثم استرجع.»
أما الأمين فإنه بعث أحمد بن مزيد وعبد الله بن حميد بن قحطبة إلى حلوان لتدارك الموقف ولقتال طاهر، ولكنهما تقهقرا أمام جيش طاهر الظافر، ثم سار طاهر إلى الأهواز فقتل عامل الأمين، وسار نحو واسط فدخلها، وبعث أحمد المهلب أحد قادته نحو الكوفة فدخلها في رجب سنة 196ه، ثم كتب إلى أمير الموصل المطلب بن عبد الله، وأمير البصرة المنصور بن المهدي، أن يبايعا المأمون ويخلعا محمد الأمين فوافقاه على ذلك، ثم بعث داود بن عيسى بن موسى أميرا على الحجاز فدخلها وأعلن بيعة المأمون، وكذلك بعث يزيد بن جرير البجلي أميرا على اليمن فدخلها وأعلن البيعة للمأمون، ثم جموعه للاستيلاء على المدائن فاستولى عليها، ثم توجه للإحاطة ببغداد فعسكر على نهر صرصر، وطالت إقامته عليه حتى ضاق جنده ذرعا بالحصار، وهرب منهم نحو خمسة آلاف انضموا إلى جيش الأمين، ففرح بهم ووعدهم ومناهم، وجيش جيشا قويا للقاء طاهر على نهر صرصر، فعبى طاهر أصحابه كراديس كراديس، ثم جعل يمر على كل كردوس منهم فيقول لهم: لا يغرنكم كثرتهم، ولا يمنعنكم استئمان من استأمن منهم، فإن النصر مع الصدق والثبات، والفتح مع العبر واليقين، ثم أمرهم بالتقدم فتقدموا وانهزم أهل بغداد أمامهم، وبلغ الخبر محمد الأمين فأخرج خزائنه وذخائره ووزعها على الناس من أهل بغداد للقتال.
دخلت عيون طاهر بغداد فأفسدوا الجو على الأمين واستمالوا الناس إليهم، ومنوهم الأماني فلم يجد عمل الأمين نفعا، ولا أفادته أمواله التي أنفقها فيهم فائدة، وعمت الفوضى في مدينة بغداد ونقب المسجونون السجون وعاثوا في البلد، وثار معهم الشطار والدعار واختل الأمين، وضيق طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين وزهير بن المسيب الخناق على الأمين وجنده وأهل بغداد؛ فتفرق جمعهم واستأمنوا الطاهر فأمنهم، ثم أخذ يحتل أرباض المدينة ربضا ربضا، وكان ذلك في جمادى الآخرة من سنة 197ه، ثم حاصر المدينة نفسها ومنع الأقوات والميرة عنها، فغلت الأسعار فيها، واشتد البلاء بالناس وأيقن الأمين بالهلاك، فأخذ يفرق ما بقي عنده من الأموال في الناس ليحموه ويستميتوا معه فأخذوها وخذلوه، وحين نفدت الأموال من خزائنه وطلب الناس الأرزاق لهم فلم يجدوا عنده ما يعطيهم.
قال الطبري (في تاريخه، 10: 19): «ولما رأى الأمين ذلك قال: «وددت أن الله قتل الفريقين وأراح الناس منهم، فما منهم إلا عدو ممن معنا وممن علينا، أما هؤلاء فيريدون مالي، وأما أولئك فيريدون نفسي.» ثم إن طاهرا حمل حملة قوية قاتل فيها بنفسه، فدخل المدينة قسرا، وأمر مناديه فنادى بالأمان لمن لزم منزله، ثم قصد المدينة المدورة، مدينة أبي جعفر، فأحاط بها وبقصر زبيدة وقصر الخلد، وكان محمد الأمين وأمه زبيدة وولده في مدينة أبي جعفر، فتحصن بها حتى فقد زاده وماءه، فاستشار من بقي معه من رجاله فيما يفعل، فأشار عليه بعضهم أن يطلب الأمان من هرثمة بن أعين، فرضي وكتب إلى هرثمة بذلك، فأجابه هذا إلى طلبه، ولما علم طاهر بذلك أبى إلا أن يكون الاستسلام إليه، فرفض الأمين واتفق هو وقواده على أن يخرج إلى هرثمة، وأن يدفن إلى طاهر الخاتم والقضيب والبردة، ثم علم طاهر أنهم يمكرون به، فاستعد للأمر وكمن حول القصر جنوده، فلما خرج الأمين متخفيا إلى حيث كانت حراقة هرثمة تنتظره في النهر، فركبها ولم تكد تسير به إلا قليلا حتى خرج عليه أصحاب طاهر فرموا الحراقة بالسهام والحجارة حتى غرقوها، وغرق الأمين وهرثمة، وسبح الأمين وتمكن من الهرب والالتجاء إلى دار في بغداد.
ولكن جماعة طاهر من الخراسانيين دخلوا عليه وبيدهم السيوف، فلما رآهم وقف في وجههم وقال: «أنا ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أنا ابن هارون أنا أخو المأمون، الله الله في دمي.» فلم يفده ذلك كله، وتقدم إليه واحد منهم واسمه خمارويه غلام قريش الدنداني مولى طاهر، فضربه بالسيف فأصاب مقدم رأسه، ثم هجم الآخرون فذبحوه ذبحا من قفاه، وأخذوا رأسه إلى طاهر، فنصبه على باب الأنبار، ثم رفعه وبعث به إلى المأمون مع البردة والقضيب والخاتم، مع محمد بن الحسن بن مصعب، وكتب إليه كتابا يقول فيه: «أما بعد؛ فالحمد لله المتعالي ذي العزة والجلال والملك والسلطان، كان فيما قدر الله فأحكم، ودبر فأبرم انتكاث المخلوع ببيعته، وإنقاضه بعهده وارتكاسه في فتنته وقضاؤه عليه القتل بما كسبت يداه، وقد كتب إلى أمير المؤمنين في إحاطة جند الله بالمدينة والخلد، وأخذهم بأفواهها وطرقها ومسالكها ...» ثم سرد كيف تم له الاستيلاء على المدينة كلها وإرباضها، وكيف أن هرثمة بن أعين أراد استئمان الأمين، ولكن طاهرا لم يوافقه على ذلك خوفا من المكيدة والفشل وفساد الأمر، ففرح المأمون بذلك وشكر له سعيه وجهده.»
5 (4) معنى الفتنة وأسبابها ونتائجها
Página desconocida