La Era de la Coherencia: Historia de la Nación Árabe (Parte Cuatro)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Géneros
وقد اضطربت أقوال المؤرخين في فترة خلافته، كما اضطربت في سبب تخليه عنها، فقال بعضهم: إنه هو الذي تخلى، وذهب آخر إلى أنه كان مريضا مرضا يمنعه من القيام بالأمر، وقيل: إنه كان مكرها على ذلك وأنه قد دس له سم فقتل.
قال ابن الأثير: بويع معاوية فلم يمكث إلا ثلاثة أشهر حتى هلك، وقيل بل ملك أربعين يوما ومات. ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني ضعفت عن أمركم، فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت سنته مثل أهل الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم، ثم دخل منزله وتغيب حتى مات مسموما، وكان معاوية أوصى أن يصلي الضحاك بن قيس بالناس حتى يقوم لهم خليفة، وقيل لمعاوية لو استخلفت، فقال: لا أتزود مرارتها وأترك لبني أمية حلاوتها.
2
وقيل: إن معاوية بن يزيد كان قدريا؛ لأن عمر المقصوص أحد أئمة الكلام من المعتزلة القدرية كان علمه وهذبه فأدخله في مذهبه، ولما صار إلى الخلافة سأل أستاذه في أمرها فقال له: إما أن تعتدل أو تعتزل، ففكر طويلا ثم عزم على أن يخطب الناس، فخطبهم الخطبة السابقة، فوثب بنو أمية على عمر المقصوص وقالوا: أنت أفسدته وعلمته! فطمروه ودفنوه حيا.
3 (2) عهد مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس (64-65)
لما اعتزل معاوية انقسم الناس ثلاثة أقسام: قسم مع ابن الزبير، وهم أهل الحجاز وكثير من أهل الشام، وقسم مع بني أمية وهم بعض أهل الشام (كان اليمنية بزعامة كلب مع بني أمية، ولكنهم انقسموا قسمين: قسم منهم مع خالد بن يزيد الأديب العالم ولكنه صغير، وقسم مع مروان بن الحكم، وكان القيسية بزعامة الضحاك بن قيس مع عبد الله بن الزبير)، وقسم مستقلون لا يميلون إلى هؤلاء ولا أولئك.
أما ابن الزبير فقد بايعه أهل الحجاز، وكثير من المصريين، وأكثر الشاميين، وكاد يستتب له الأمر، فاتخذ مكة مركزا له وتسمى بأمير المؤمنين، وكان مروان بن الحكم أكبر الأمويين، ومن أكثرهم دهاء وسياسة وحنكة، فدعا لنفسه وقر رأي أهل الشام على أن تجتمع بالجابية من أرض حوران، وتناظروا في الأمر، فلما اجتمعوا قام روح بن زنباع الجذامي فخطب الناس، وقال: يا أهل الشام هذا مروان بن الحكم، شيخ قريش، والطالب بدم عثمان، والمقاتل لعلي بن أبي طالب يوم الجمل ويوم صفين، فبايعوا الكبير. فاتفقوا على مبايعة مروان، ثم خالد بن يزيد، ثم عمرو بن سعيد بن العاص من بعدهما، وأرادوا أن يقصدوا دمشق، وكان الضحاك بن قيس قد تغلب عليها، فلما بلغه بمقدم روح بن زنباع ومروان بن الحكم خرج للقائهما في جمع كبير، قيل هو ثلاثون ألفا، وكان مع مروان وروح ثلاثة عشر ألفا، فالتقى جمعاهما عند مرج راهط في محرم سنة 65، وجرت معركة كبيرة بين الجانبين قتل فيها الضحاك بن قيس، وتفرق جمعه، وهرب كثير من رجاله واستقر مروان بدمشق، وهكذا انتصرت قبائل قيس العدنانية على قبائل الضحاك القحطانية.
4
وقد أذكت هذه المعركة نار العصبية الجاهلية بين العدنانية والقحطانية لا في الشام وحسب، بل في كافة أرجاء العالم الإسلامي، وبخاصة في خراسان، ولقي المسلمون من جراء ذلك عنتا، وقامت بين الجانبين حروب ومعارك استمرت إلى أيامنا هذه.
ولما استقر الأمر لمروان في الشام، سار هو وابنه عبد العزيز إلى مصر؛ لقتال عبد الرحمن بن جحدم، عامل ابن الزبير عليها، حتى بلغ أيلة «قرب العقبة»، فأخذ جحدم يستعد للقائه، وحفر حول الفسطاط خندقا عظيما؛ ليحول دون المدينة، فتم حفره في شهر. وبعث جحدم جيشا كبيرا للقاء مروان وابنه، والتقى الجمعان وفاز المروانيون، وانهزم جحدم ولم ينفعه خندقه، ودخل مروان عين شمس ثم الفسطاط، وبنى الدار البيضاء، وبايعه الناس إلا نفرا لم يخلعوا بيعة ابن الزبير ، فضرب أعناقهم.
Página desconocida