La era del despegue: Historia de la nación árabe (segunda parte)
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Géneros
39
ونحن نرى من رسالة أبي سفيان سوء أدبه وضيق عطنه، كما نستشف منه اضطراب وضع مكة وأهلها حتى لجأ أبو سفيان إلى تلك العبارات الشديدة ليخيف النبي ويهدده ثم يوعده، وكان من أحزم الحزم ومن السياسة الرشيدة والكياسة الحميدة أن يجيبه النبي بما أجابه من القوة، وأن الجواب ما سيراه لا ما سيسمعه، فإن القول والقلم لا يغنيان في موضع السيف والحسام.
ومن سياسات النبي الحكيمة أيضا: ما رواه ابن هشام والطبري من مراوضة لغطفان حتى تخذل قريشا أثناء غزوة الخندق، وقد أشرنا إلى ذلك في كلامنا عن تلك الغزوة حين أقام المسلمون والمشركون كل جانب يتربص بصاحبه، حتى ضاق أمر الرسول وصحابته وقريش وأحلافها من غطفان وأحلافهم، وقد فكر الرسول مليا في الأمر، فلم ير سياسة أحكم من أن يفل صفوف قريش ويحتال عليها بعد أن أتى البلاء على الناس في المدينة، فإنه - عليه الصلاة والسلام - كتب إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف زعيمي غطفان يعدهما بإعطائهما ثلث ثمار المدينة وأموالها على أن يرجفا عنه بمن معهما، وجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم يوقع ولم يشهد عليه إلا المراوضة - المداراة والمداورة - حتى مكنه الله وخذل قريشا وفرق جموعها.
ومن سياسات النبي الحكيمة: صلح الحديبية والعقد الذي عقده مع أهل مكة ، وهو هذا:
باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرين سنة يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من قدم مكة من أصحاب مكة حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر والشام يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال،
40
وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه (فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده. وقالت بنو بكر: نحن في عقد قريش وعهدهم)، وإنك ترجع علينا عامك فلا تدخل مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب، السيوف في القرب، ولا تدخلها بغيرها. وأشهد على هذا الصلح رجال المسلمين ورجال المشركين وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمان بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، ومكرز بن حفص و... من المشركين وعلي بن أبي طالب وكتب ...
41
وهذه المعاهدة تدل على أن الرسول
صلى الله عليه وسلم
Página desconocida