La era del despegue: Historia de la nación árabe (segunda parte)
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Géneros
ثم مضى رسول الله، وأعمى الله أبصار القوم عنه،
1
ثم جاء أبو بكر فلحق برسول الله، وأدركه في الطريق، حتى انتهيا إلى الغار مع الصبح فدخلاه، وأصبح الرهط الذين كانوا يرصدون النبي، فدخلوا الدار، وقام إليهم علي، فقالوا له: أين صاحبك؟ فقال: لا أدري. فجن جنونهم، وذهبوا إلى الملأ من قريش فأخبروهم، فقال أبو جهل: لقد هرب، فاذهبوا وترقبوا أبا بكر. فوقفوا على بابه، فخرجت إليهم أسماء ابنته، فساءلوها عن أبيها، فقالت: لا أدري. فرفع أبو جهل يده ولطمها لطمة طرح منها قرطها.
وكان أبو بكر أمر ابنه عبد الله أن يسمع ما يقوله الناس في مكة ويأتيهما في الغار، وكانت أسماء تأتيهما بالطعام، فأقاما في الغار ثلاثة أيام. ثم إن قريشا حلت مائة ناقة تامة لمن يدلهم عليهما. وكان عامر مولى أبي بكر يرعى غنما لأبي بكر مع رعيان مكة، فإذا جن الليل أتاه وأخبره بخبر القوم، فلما مضت ثلاثة أيام وسكنت قريش، ارتحل الرسول وصاحبه، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة خلفه يخدمهما في الطريق، وكان دليلهما عبد الله بن أرقد، فمر بهم على عسفان، ثم على إمج، ثم على قديد، ثم على الخرار، ثم على الجداجد، ثم على العرج، ثم على قباء،
2
ولم يكن هذا الطريق المسلوك، وإنما هو طريق آخر أطول ولكنه آمن. ولما بلغوا قباء ظلوا بها أربعة أيام، فأسس الرسول مسجده هناك في بني عمرو بن عوف، ثم دخل المدينة في 16 ربيع الأول المصادف ل 20 أيلول 622م، ونزل في دار أبي أيوب خالد بن زيد إلى أن بنى مسجده ومساكنه، وباشر البناء بنفسه في نفر من أصحابه المهاجرين والأنصار. ثم إن عليا لم يلبث أن لحق بالرسول بعدما رد ودائع النبي التي كانت لأصحابها من أهل مكة، ولم يبق بمكة إلا مفتون أو محبوس بأمر قريش، وغلقت كثير من الدور، وعدا أبو سفيان وغيره من زعماء قريش على بعض دور المهاجرين فاغتصبوها وباعوها. وقد بلغت أنباء هذه الأعمال إلى المهاجرين، فشكوا ذلك إلى الرسول فقال: «احتسبوها عند الله.» ثم بعد أن أتم الرسول بناء مسجده، شرع في تنظيم أمور المسلمين وتأسيس إدارة المدينة، وأول عمل عمله أن نشر الدين في المدينة، فلم يبق بيت إلا دخله الإسلام، وأصلح ذات بينهم على كثرة العداوات التي بينهم في الجاهلية، وعقد حلفا بين المهاجرين وبين أهل المدينة من المسلمين واليهود وغيرهم من المشركين. وقد أورد لنا ابن هشام صورة ذلك الحلف، وإليك بعض فقراته:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم؛ أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرين من قريش على ربعتهم - أي جميعهم - يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون على معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ... ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو انتقى وسيعة (أي طبيعة) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم. ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينتصر كافر على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وأن من يتبعنا من اليهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. وإن سلم المؤمنين واحد، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم، وأن كل غازية غزت معنا تعقب بعضها بعضا، وأن المؤمنين يبيء (يرجع) بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه مؤمن، وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلى أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه، وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وأنه من نصره وآواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ... وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين؛ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم ... وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ... وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن ...
3
وإن من يدقق في هذه المعاهدة يجدها تدور حول النقاط الآتية: (1)
Página desconocida