La era de la disolución: Historia de la nación árabe (Parte seis)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Géneros
والحق أن أمور الدولة قد فسدت في عهده إلى حد بعيد، ويتجلى هذا الفساد في أمور، منها: أن ابن مقلة وزيره كتب إلى بجكم التركي يطمعه في الاستيلاء على بغداد، ولما علم الراضي بذلك قطع يده، ثم قطع لسانه حتى قرب بجكم من بغداد، ومنها أنه في سنة 322ه عظم أمر مرداويج صاحب أصفهان فعزم على إزالة الدولة العباسية، وقد اضطرب الراضي لهذا، ولكن الله كفاه إياه بعد أن تآمر عليه غلمان له وقتلوه، ومنها أن أمراء الأقاليم قد قطعوا كل صلة لهم بالعاصمة، فبلاد فارس في يد علي بن بويه، وأخوه الحسن بن بويه يسيطر على بلاد الري وأصفهان والجبل، والموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر في أيدي الحمدانيين، ومصر والشام تحت سلطان ابن طغج، وبلاد خراسان والمشرق بيد نصر بن أحمد الساماني.
ولما مات الراضي سنة 328ه استخلف أخوه أبو إسحاق إبراهيم المتقي بالله، وكان عابدا زاهدا كثير الصوم والصلاة منزها عن النقائص حسن الخلق، إلا أنه لم يكن عارفا بأساليب السياسة وإدارة الملك، فازدادت البلاد اضطرابا في عهده، وقوي نفوذ الأتراك والديالمة والوزراء، واضطربت الأمور في العاصمة واستولى عليها توزون الديلمي، فهرب الخليفة إلى الموصل بأهله وأمواله، ونهبت دار الخلافة، ثم كتب توزون إلى الخليفة يحلف له أغلظ الأيمان ويؤمنه على نفسه، وكان الأمير محمد بن طغج قدم إليه من حلب يقدم إليه الهدايا والأموال الجليلة، ويسأله أن يترك العراق إلى الشام ومصر، فأبى الخليفة ذلك، ثم قفل راجعا إلى بغداد، فتلقاه توزون وأعلن خضوعه ظاهرا، ثم إنه أوعز إلى طائفة من الديالمة أن يقبضوا عليه ويسملوا عينيه، ثم خلعه توزون سنة 333، ومات المتقي سنة 350ه، وفي عهد المتقي سيطر الحمدانيون على الجزيرة والشام كله.
ولما خلع المتقي استخلف أبو القاسم عبد الله المستكفي بن المكتفي سنة 333ه، وكان الديالمة هم المسيطرون على الدولة، ولم يكد يستقر في دست الخلافة حتى وردت إليه الأخبار بأن ابن بويه قادم على بغداد، فاضطرب الخليفة جدا، وانهلعت قلوب البغداديين، ولما دخل أحمد بن بويه استقبله الخليفة وخلع عليه وسلمه الطوق والسوار وآلة السلطة وعقد له اللواء، ولقبه بمعز الدولة، ولقب أخاه عماد الدولة، وأمر أن تضرب ألقابهم على السكة، ونزل الديالمة البويهيون في دور الناس، ولقي البغداديون منهم أشد العنت والإرهاق، قال ابن دحية (في كتابه: النبراس في تاريخ بني العباس، ص121): «صارت الخلافة بعد خلعه (أي المتقي) إلى ابن عمه المستكفي في الوقت الذي سملت فيه عينا المتقي فاستولت الديلم على البلاد، وسملت عيناه ... وذلك على يد معز الدولة، بل مذلها ابن بويه الديلمي.» ولما أن تملك البويهيون دخل رجلان منهم على الخليفة فجذباه من السرير، ووضعا عمته في عنقه وسحباه على الأرض، ثم حمل إلى دار معز الدولة فاعتقل فيها وسملت عيناه، وخلع في سنة 334، ومات في سنة 338.
ولما خلع استخلف معز الدولة ابن عمه المطيع، ولم يكن له من الخلافة إلا الاسم، والأمر كله لبني بويه، وقد أقام معز الدولة لنفقة الخليفة كل يوم مائتي دينار، وكان المطيع يسير في ركاب معز الدولة أينما سافر، ذهب معه إلى البصرة ثم الأهواز، ثم إلى الموصل.
وقد انحصر عمل المطيع على الطاعة والعبادة والإحسان إلى أهل بيته الفقراء، وفي أيامه رد القرامطة الحجر الأسود إلى الكعبة، ففرح بذلك، وكان ينفذ إلى الكعبة كل سنة قناديل ذهب وفضة، كما كان ينفذ إلى الحجرة النبوية طيبا كثيرا وخداما.
وفي أيامه استقل كافور الإخشيدي بمصر والشام، ومنع عن الخليفة ما كان أنوجور الإخشيدي يقدمه إليه من الأموال، وظل المطيع لله في خلافته هذه إلى أن فلج، فخلع نفسه وعهد لابنه الطائع في سنة 363ه، ولم يلبث طويلا حتى مات.
بويع أبو بكر عبد الكريم الطائع لله سنة 363ه بعد أن استخلفه أبوه، وكان مثل أبيه خليفة صوريا، طال عهده في الخلافة، وزاد امتهان البويهيين للخليفة، فكان لا يحرك ساكنا، ودخل عليه بهاء الدولة البويهي سنة 381ه وجذبه عن السرير، ثم خلعه، وأقام معتقلا فقيرا إلى أن مات سنة 393ه، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة من عيون شعره.
ولما خلع سنة 381ه استخلف البويهيون أبا العباس أحمد القادر بالله، وكان من أفاضل الخلفاء وعقلائهم، رأى أن الأمر بيد آل بويه، وأن من الحزم أن يصهر إليهم، فتزوج بنت بهاء الدولة بن عضد الدولة على صداق قدره مائة ألف دينار، وبذلك رجع للخلافة العباسية شيء من رونقها وحاول أن يعيد قوتها، فتوصل إلى شيء من ذلك، وظهر شأن العرب بعض الشيء، وأعيدت الجزيرة والشام إلى الحظيرة العباسية، وفي عهده ارتفع قدر العلم وأهله، واطمأن الناس على أموالهم وأولادهم، قال ابن دحية (في النبراس، ص127): «هو الخليفة الزاهد العابد القادر بالله، آخر خليفة من بني العباس، حكم وأسجل على نفسه وأشهد الشهود، وكان يجلس اثنين وخميس للناس، وصحب العلماء ورفض الدنيا ولم ينازع فيها، ولم يدخر دينارا ولا درهما، ولم يرد سائلا، وأكرم الحديث وأهله، ومنحهم عطاءه وبذله، وظهرت العرب، وقام الإسلام، وملكت الجزيرة والشام، وبيعت مصنفات الحديث بأغلى الأثمان، وملأ الدنا بالعدل والأمان.»
وفي أيامه فتحت السند والهند - على يد آل سبكتكين - وقال ابن طباطبا (في الفخري، ص254): «من أفاضل خلفائهم، حسن الطريقة والسمت، كثير الخير والدين والمعروف ... وفي أيامه تراجع وقار الدولة العباسية ونما رونقها.» ومكث القادر في الخلافة إلى أن مات سنة 42.
وقد كانت تلك الصحوة التي منحتها الدولة العباسية في عهد القادر، هي صحوة النزاع إلى أن تغلب السلجوقيون على الخلافة، كما سنرى تفصيل ذلك بعد.
Página desconocida