La era de la disolución: Historia de la nación árabe (Parte seis)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Géneros
T ، وفي كل مكان فجوات في الجدران وهي الرواشن التي تكون كخزائن أو تصنع عليها رفوف، وفي إحدى الزوايا سلم يؤدي إلى السطح حيث توجد غالبا غرفة عليا، والسطح هو مجال النساء وملجأهن في ليالي الصيف، أما الجدران من الخارج فعارية، فيها على الغالب بضع نوافذ لا تفتح، وأما الداخل فمحجوب تماما عن أعين المارة ومحمي ضد حوادث السطو، والأثاث قليل بضعة صناديق غطاها النجار والرسام برسوم بسيطة، وبعض المغارس والحصر والسجاجيد، وعدد من المعلقات على الجدران والأبواب، وأدوات شتى وأوان معدنية وأخرى فخارية، وكلها سواء كانت متقنة أو عادية اكتسبت شكلا قديما نبيلا.
1
هذا ما يقول أستاذنا المستشرق العلامة ديمومبين، ولكنه قد أهمل ذكر ديوان الجلوس الذي يوضع في الدواوين، وغرف الجلوس التي تحيط بها من ثلاث جهات وقد فرشت عليها المراتب، ومن ورائها النمارق والوسائد والطراريح، كما أهمل ذكر نظام الإضاءة، وهو في الغالب الشموع، أو قناديل الزيت التي توضع في المشاكي، وربما استعمل النفط في البلاد التي كان معروفا فيها.
هذه هي حال دور الطبقة الوسطى، أما الطبقة الدنيا فكانت أقرب إلى دور البداوة، ساحة صغيرة قد جزئت أربعة أو ثلاثة أجزاء، رفع في كل جزء منها حيطان من طين، سقفت بالخوص أو أوراق الشجر، بلا شبابيك ولا كوى غالبا، وفي هذه «الغرف» يسكن الإنسان وإلى جانبه ماشيته وحيواناته في الغالب. أما الطبقة العليا فكانت تسكن في قصور فخمة في الداخل حصينة في الخارج، منها ذو الطبقة الواحدة، ومنها ذو الطبقتين، أو الثلاث، وهي في الغالب صورة طبق الأصل عن القصور الساسانية أو البيزنطية، لها ساحة ضخمة فيها بركة ماء، ولها إيوان أو إيوانان أو أربعة، أحاطت بها الغرف من جهاتها الأربع، وإلى جانب الغرف مستتبعات القصر وحمامه، وربما جعل فيه فرن وطاحون وأحواض وما إلى ذلك من متممات الرفاهية وأسباب النعيم. (3) الطعام والشراب والطيب
لا نعرف كثيرا عن الأطعمة في العصر العباسي، ولا شك في أن انتقال العاصمة الإسلامية إلى العراق، القريب من فارس، قد أدخل كثيرا من الأطعمة الفارسية في المطبخ العربي، وقد كتب بعض كتاب هذه الفترة رسائل وكتبا في وصف الأطعمة والأشربة والطيوب، ومن أجلها كتاب «أبي الحسن علي بن هارون بن المنجم » وإبراهيم بن المهدي، وجخطة البرمكي، وقد ضاعت كلها، وإنما وصلنا كتب ألفت بعد هذا العهد.
وقد جعلوا للطعام آدابا وآينا،
2
وأخذوا أكثره من التقاليد الفارسية، وقد حفظ لنا الأديب الكاتب الوشاء في كتابه الثمين «الموشى»، طرفا ذات قيمة عن آداب الطعام وصفات الظرفاء والمؤدبين (الجنتلمان)، كما نجد في بعض الكتب الأدبية والتاريخية والدينية نتفا ومعلومات تبين طرفا من آداب الطعام والشراب ومجالسهما؛ ففي «كتاب الوزراء للجهشياري» أن «الوزير ابن الفرات كان يدعو إلى طعامه في كل يوم تسعة من الكتاب من آداب الطعام والشراب ومجالسهما، ففي «كتاب الوزراء للحر شياري، ص241» أن «الوزير ابن الفرات كان يدعو إلى طعامه في كل يوم تسعة من الكتاب الذين اختص بهم، وكان منهم أربعة نصارى كانوا يقعدون إلى جانبه وبين يديه، ويقدم إلى كل واحد منهم طبقا فيه أصناف الفاكهة الموجودة في الوقت من خير شيء، ثم يجعل في الوسط طبقا كبيرا يشتمل على جميع الأصناف، وكل طبق فيه سكين يقطع بها صاحبها ما يحتاج إلى قطعه ... ومعه طست زجاج يرمي فيه التفل ، فإذا بلغوا من ذلك حاجتهم واستوفوا كفايتهم، شيلت الأطباق وقدمت الطسوت والأباريق فغسلوا أيديهم وأحضرت المائدة مغشاة بدبيقي تحتها سفرة أدم، وحواليها مناديل الغمر ... فلا تزال الألوان توضع وترفع أكثر من ساعتين.»
وأما الشراب فقد عظم تعاطيه في هذا العصر، وصار كثير من الخلفاء يشربون الخمر، وعرف ذلك عنهم، فلم يأنفوا منه، وجدد العباسيون نظم مجالس الشراب الساسانية وآداب الندمان على الطريقة الفارسية، وصرنا نجد في بيوت الكبراء إلى جانب الطباخين والخدمة، رجالا يسمون الشرابيين، عملهم العناية بالشراب وآلته وفاكهته وريحانه، وكان الساقون في الغالب من أهل الذمة، ولم يتورع عن الشراب كثير من كبار الدولة على الرغم من تحريمه، حتى القضاة! فقد روى الثعالبي أن جماعة من الكبراء «كانوا ينادمون الوزير المهلبي في مجالس لهوه وشرابه ومن بينهم القضاة: ابن قريعة، والتنوخي، وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها، وكانوا يحضرون وعليهم المصبغات، فإذا أصبحوا عادوا إلى عادتهم من التزمت والتوقر والتحفظ بأبهة القضاة وحشمة المشايخ الكبراء.» وكان شرب الخمر مقللا لانتشار المخدرات الأخرى من حشيش، وأفيون، على الرغم من أن الحنفية قد أباحوها كما يفهم من كلام العاملي
3
Página desconocida