La era de la disolución: Historia de la nación árabe (Parte seis)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Géneros
وأما ما في الأدب فقد تقدم فنا الكتابة والشعر، ولمع اسم كتاب كبار على رأسهم الجاحظ (255ه)، وابن قتيبة (276ه)، وابن دريد (321ه)، ومما تجب ملاحظته، ظهور بحوث أدبية سياسية كالبحوث التي قامت حول فكرة الشعوبية التي كان من مناهضيها الجاحظ، وابن دريد، وابن قتيبة، ومن مؤيديها حمزة الأصفهاني (350ه)، والبيروني (430ه)، وقد خلف كل من هؤلاء بحوثا ومقالات ورسائل أدبية رائعة في تأييد وجهة نظره.
أما الشعر فكان من أئمة أصحابه في هذه الفترة أبو تمام الطائي الشاعر الحكيم العالم (231ه)، والبحتري الشاعر العالم الأديب (284ه)، وابن المعتز الخليفة المؤلف العالم (269ه)، والمتنبي الحكيم (354ه)، وأبو فراس (357ه)، وغيرهم وهم من نعرفهم مكانة وسموا وآثارا وشهرة.
وأما الخطابة فقد انحطت عما كانت عليه في السابق في العصر الأموي والعصر العباسي الأول الذي نبغ فيه كثير من الخلفاء، كالمنصور، والمهدي، والرشيد، والأمين، ومن غيرهم كداود بن علي بن عبد الله بن العباس، وخالد بن صفوان، أما في هذا العصر، فلم ينبغ من خطيب بارز المكانة من الخلفاء، أما غيرهم فكانوا من الخطباء المتوسطي المكانة.
وأما العربية وعلومها فقد نبغ فيها جمهرة كبيرة كأبي عبيدة (209ه/824م)، والأصمعي (213ه/828م)، وأبي زيد الأنصاري (214ه/829م)، والفراء (207ه/822م)، وغيرهم من كبار أئمة اللغة والنحو والعروض.
الفصل الثامن
الوضع الاجتماعي في هذا العصر
تطور الوضع الاجتماعي في العصر العباسي عما كان عليه في العصر الأموي، كما عرفنا ذلك؛ فقد كانت البيئة الاجتماعية للدولة الأموية بيئة عربية متحضرة تأخذ من مظاهر حضارة البلاد المفتوحة ما يلائم طبعها، ويوافق مزاجها العربي، أما في العصر العباسي وخصوصا العصر الذي نبحث فيه، فقد تبدلت تلك الأوضاع تبدلا ظاهرا، وإليك مجالي ذلك التبدل: (1) الأسرة
كانت نظم الأسرة في العصر العباسي نظما عربية خالصة، أو كالخالصة، وكان القوم يقيمون وزنا كبيرا للدم العربي، أما في العصر العباسي، وهذا العصر الذي نبحث فيه بصورة خاصة، فقد تبدلت الأحوال، وغزت النساء الأعجميات من رقيقات وغيرهن بيوت الطبقة العليا والطبقة الوسطى؛ فأمهات الخلفاء العباسيين كلهن غير عربيات، حاشا أم السفاح، والمهدي، والأمين، والبلاط العباسي ودور الأمراء وكبار الوزراء والقادة كانت تعج بالجواري من روميات، وأرمنيات، وفارسيات، وحبشيات، وتركيات، وبذلك ضاع الدم العربي النقي، وضاعت تلك الطبقة العربية، التي تعتز بدمها العربي في العصر الأموي، وحلت محلها طبقة من الهجناء الذين لا تهمهم عراقة الأنساب ولا نقاوة الدماء، وخصوصا في عصر الانحلال؛ فقد انحطت الأسرة العربية انحطاطا مريعا، وسقط مستوى الأخلاق، وضاعت تقاليد عربية وإسلامية كثيرة لكثرة انغماس الناس في الشهوات والموبقات التي جاءتهم بها فارس وغيرها. وهكذا تدنت المرأة إلى درك بعيد، فتبعها المجتمع. (2) المسكن
ليست عندنا معلومات دقيقة عن وضعية البيت العربي في هندسته ومفروشاته وآنيته في العصر الأموي، ولا العصر العباسي الأول، وإنما هي معلومات متفرقة ليست ذات غناء كبير، ويظهر أن البيت أو الدار الإسلامية في العصر العباسي، ظلت كما كانت عليه في العهد الإسلامي وما قبل الإسلامي؛ لأن العرب ليسوا أصحاب بناء ولا لهم في ذلك قدم راسخة، وإن كانت الأبنية العالية ذات الطبقات الكثيرة قد عرفت في الحجاز واليمن منذ الجاهلية، كما عرفت السراديب التي تقي من الحر، وأغلب الظن أنهم لما دخلوا البلاد المفتوحة أعجبهم نمط البيوت التي كانت في الشام والعراق ومصر، فاستساغوها بعد أن غيروا فيها بعض التغيير الذي اقتضته البيئة الإسلامية من جعل محلات خاصة بالنساء بعيدة عن أمكنة الرجال، وما زال هذا الأمر يتطور حتى وجد فيما بعد نظام «الحرملك» و«السلاملك».
وقد وصف المستشرق «ديمومبين» البيت العربي وصفا نظن أنه جاء مطابقا للواقع، حيث يقول: «عرفت بلاد العرب منذ الجاهلية بيوتا ذات عدة طبقات، وقلاعا من السهل أن تقاوم ضد أسلحة البدو البسيطة، وتكون الغرف المشيدة تحت الأرض ملجأ في حالات تطرف درجات الحرارة، وبين النماذج المتعددة للبيوت التي يسكنها المسلم الوسط، نجد أن بيوت البحر الأبيض المتوسط، ذات الطابق الواحد هي الشائعة: صالة صغيرة تفتح على المدخل حيث يجد الزائر دكة يستريح عليها منتظرا أحد أفراد المنزل، أو تقوده خادم عجوز خلال ممر إلى فناء المنزل المستطيل الذي يحوي في وسطه بركة ماء وتزينه بضع شجيرات، ويحيط بالمنزل ممرات تتدلى فيها الكروم، وعليها تفتح الأبواب والشبابيك الضيقة للغرف، وأحدها أوسع من الآخر، وتمتد وتتسع في بيوت الأغنياء مكونة من الإيوان على هيئة حرف
Página desconocida