Era del Declive: Historia de la Nación Árabe (Parte Siete)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Géneros
وفي سنة 845ه عزل السلطان المصري الشريف بركات، ففر إلى اليمن وتولى أخوه علي مكانه، وتتابعت الأشراف على ولاية الديار الحجازية، وفي سنة 851ه استدعى سلطان مصر السلطان جقمق الشريف بركات إلى مصر وخرج للقائه، وبالغ في إكرامه، واجتمع إليه علماء مصر، وازدحموا على القراءة عليه؛ لما كان له من الفضل وسعة الرواية، وبخاصة في علوم الحديث، ثم رجع إلى مكة وظل بها إلى أن مات في سنة 859ه، فلما مات خلفه ابنه محمد في ولاية مكة، وكان محمد على جانب كبير من الفضل والعدل، وقد ازدهرت الحجاز في عهوده، واستمر في ولايته ثلاثا وأربعين سنة عاش فيها الناس بالخيرات واليمن والهدوء إلى أن مات سنة 903ه، فتولى مكة بعده ابنه الشريف بركات، وكان فاضلا تلقى العلم على شيوخه بمصر، وقد وقعت فتنة بينه وبين أخيه هزاع من أجل الولاية، فانكسر هزاع وقتل جمع من أصحابه، ثم نصره أمير الحج المصري في سنة 904ه، فدخل مكة وهرب أخوه بركات إلى بدر فجمع جموعا أغار بها على مكة واحتلها، وفي سنة 907ه مات الشريف هزاع، فوردت المراسيم السلطانية من «قانصوه الغوري» سلطان مصر بالاعتذار إلى الشريف بركات مما حصل، وأن ذلك كان من قبل أمير الحج المصري بدون مشورة السلطان، واستتب الأمر للشريف بركات فترة، ثم ثار عليه أخوه الشريف أحمد الملقب بالجازاني في سنة 908ه واضطر بركات إلى الهرب إلى اليمن.
وكان الشريف أحمد ظالما؛ صادر أموال الناس، وأخذ عقاراتهم، وسبى أرقاءهم، ومرت أيام شداد على مكة في عهده، ولما ضاق الحجازيون بظلمه ذرعا استنجدوا بالشريف بركات ، وأعانوه على قتال أخيه أحمد، فكسره واضطره أن يفر إلى جدة، فلما وصلها استنجد بأمير ينبع فأعانه بجيش، ووقعت قتلة كبيرة بين الطرفين أبذخ فيها الشريف أحمد، وشرع بركات بتنظيم أمور الحجاز، وامتد نفوذه إلى اليمن، وبينا كان في اليمن يقوم ببعض مصالح دولته انتهز أحمد فرصة غيابه فدخل المدينة، وأذل أهلها، وعاقبهم أشد العقاب، وقتل منهم خلقا كثيرا، ونهب بيوتهم، وسبى الأرقاء وأمهات الأولاد ثم رجع إلى ينبع، وعلم أن تجريدة قدمت من مصر فذهب إلى قائدها، واتفق معه على أن يعينه على خلع أخيه بركات مقابل ستين ألف دينار شرقي أحمر، وكان بركات قد رجع من اليمن ورأى ما فعل أخوه في غيبته فتألم أشد الألم، وأخذ يستعد لمحاربته، ولما علم بقدوم التجريدة المصرية خرج للقائها وهو لا يعلم ما قد خبأ له القدر، فلما وصل أمير التجريدة خلع عليه، ثم لم يلبث أن ألقى القبض عليه، وجعله في الحديد، ونهبت بيوته وبيوت أنصاره، ونودي بالإمارة للشريف أحمد، ولما تم الحج ورجع المصريون أخذوا الشريف بركات معهم إلى مصر حيث جعل في بيت محظورا عليه السفر، وأخذ ينتهز شتى الفرص حتى فر إلى مكة في أواخر سنة 908ه، ولما حان موعد سفر الحجيج المصري خاف السلطان الغوري أن يفتك الشريف بركات بالمصريين فبعث معهم جيشا كثيفا، ولكن الشريف بركات بعث برسائل إلى أمير الحج المصري يؤمنه ويطمئنه، فلما بلغ ذلك مسامع الغوري رضي عنه وعفا، وفي عهد السلطان الغوري شيدت عدة مآثر وعمائر جليلة في طريق الحج وفي مكة وفي جدة.
4
وفي أيام الغوري تولى ثغر جدة الأمير حسن الكردي، وكان سفاحا ظالما قال عنه صاحب الأعلام: «أقام جلادين للقتل والتوسيط والضرب والبهدلة، فأي مسكين وقع في يده قتله بأدنى سبب أو عذبه بالمقارع أو صلب إظهارا للناموس الفرعوني.»
5
وفي سنة 911ه ولد ابن للشريف بركات سماه أبا نمي، وفي سنة 918ه استدعى السلطان الغوري الشريف بركات إلى مصر فاعتذر عن سفره، وبعث ابنه أبا نمي مع السيد عرار بن عجل وقاضي مكة الشافعي الصلاح بن ظهيرة والمالكي النجم بن يعقوب مع جمهرة من القواد والوجوه، فلما وصلوا إلى مصر استقبلهم السلطان الغوري وأكرمهم، ثم أعادهم وقد ولى الديار الحجازية لأبي نمي مشاركا لأبيه، فكان يدعى لهما معا على منابر الحجاز، وفي سنة 920ه حجت زوج السلطان الغوري وولدها محمد فأكرمهم الشريف بركات إكراما عظيما، وكانت هذه آخر الاحتفالات الكبرى التي جرت في الحجاز للمماليك. (1) الحجاز وسائر الجزيرة بعد استيلاء العثمانيين
بعد أن استولى السلطان سليم على مصر سنة 923ه أراد أن يجهز جيشا للاستيلاء على الحجاز وطرد بقايا المماليك منه، وكان قد وطد لنفسه في الحجاز بما كان يبعث لأهله وللأشراف من الهدايا والتحف والخيرات في كل سنة أثناء الحج والمواسم.
وبينا كان السلطان سليم يهيئ عدته للاستيلاء على الحجاز حربا كتب القاضي صلاح الدين بن أبي السعود بن ظهيرة إلى وزير السلطان أن يخبر سيده بأن أهل الحجاز يحبون العثمانيين، وأن صاحب الحجاز ممن يميلون بقلوبهم إلى آل عثمان، والأفضل أن يكتب إليه كتابا يطلب فيه منه إعلان الخطبة للعثمانيين، لا إرسال جيش لقتاله، وهكذا أرسل إلى الشريف بركات توقيع من السلطان سليم بدل توقيع السلطان الغوري على أن يكون ابنه أبو نمي شريكه في الولاية، وكتب القاضي صلاح الدين محمد بن أبي السعود بن إبراهيم بن ظهيرة إلى الشريف بركات يقص عليه ما جرى، ويطلب إليه أن يبعث بابنه إلى السلطان سليم، فلبى الشريف الطلب، وبعث بابنه أبي نمي إلى مصر فأكرمه السلطان سليم، وكان سنه لا يتجاوز الثانية عشرة، وأعاده بالإحسان ومعه أمر سلطاني بقتل حسين الكردي صاحب «جدة» من قبل السلطان الغوري، ثم ولى على جدة الخواجا قاسم الشرواني، وأرسل مصلح بك بالصدقات والكسوة، والمحمل الرومي، كما أرسل المحمل المصري والصدقات المصرية على ما كانت عليه الحال أيام المماليك، ولم يجئ المحمل الشامي في تلك السنة،
6
واستمر الشريف بركات في إمارته حتى سنة 931ه وفيها هلك فتولى الديار الحجازية ابنه الشريف محمد أبو نمي وله عشرون سنة، وكان فتى حازما ذا علم وفضل، وقد فرح الناس بتوليه لما كان عليه من الخلق الوديع، وفي سنة 945ه أشرك السلطان العثماني معه في الولاية ولده الشريف أحمد، وفي سنة 949ه قدمت ميناء جدة مراكب إفرنجية تحاول الاستيلاء عليها، فتوجه إليهم أبو نمي في جمع كبير وجيش قوي تعاضده بعض المدفعية، واضطر المراكب الفرنجية على العودة خاسرة،
Página desconocida