Era del Declive: Historia de la Nación Árabe (Parte Siete)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Géneros
1
ويظهر أن الأتراك العثمانيين قد أحسوا بخطر الشاه إسماعيل وقوته، واعتبروا ظهوره منافسة قوية تحول دون امتداد سلطانهم إلى العراق بعد أن كانوا ينتظرون انحلال الدولة البايندرية، ويعملون على تفكيك أوصالها، ولما اعتلى عرشهم السلطان ياوز سليم أحس بقوة الشاه إسماعيل فعزم على أن يفاجئه بالمهاجمة في عقر داره، وأخذ يهيئ للأمر عدته، وعلم الشاه إسماعيل بالأمر فأخذ يهيئ نفسه أيضا للقائه، ولا شك في أن العراق المسكين سيكون ميدان هذا العراك، وهكذا كان، فلاقى العراق ويلات شديدات فترة طويلة من الزمن كما سنرى.
رأينا أن الشاه إسماعيل قد سمى الأمير حازم بيك خليفة الخلفاء، واليا على بغداد، وثبت ابن كمونة من نقابة الأشراف، فأخذ الاثنان يعملان بنشاط على تثبيت أقدام الدولة الصفوية في العراق، وكان السلطان ياوز سليم العثماني يعمل على نشر نفوذه في العراق، فبث عيونه وهيأ نفسه لقتال الصفويين، وكان التقاء الطرفين عام 920ه/1514م في تبريز وفي الموقع المعروف باسم «جالديران»، وكان في الجيش الإيراني الصفوي حاكم بغداد ونقيب أشرافها وعدد من الأعيان، ولم تطل الموقعة حتى تم النصر فيها للعثمانيين وقتل حاكم بغداد والنقيب، وبضعة آلاف من العراقيين، وكانت هذه الكسرة مبدأ تفوق الجيش العثماني، وانتشار فتوحاته في العالم الإسلامي، وكان من نتائج هذه المعركة أن أهل آمد كتبوا إلى السلطان سليم يخبروه أنهم طردوا واليهم الإيراني الصفوي، وأنهم يسلمونه مدينتهم ويرجونه أن يبعث إليهم واليا عثمانيا، فبعث إليهم ببقلو محمد بيك، وجعله أميرا على كل هاتيك الأصقاع، فجاءها وفتح بلاد ماردين والموصل وسنجار حتى بلغ جزيرة ابن عجر،
2
وكان ذلك في عام 921ه، ولما اطمأن السلطان سليم العثماني إلى بسط نفوذه في هاتيك الديار عزم على المسير إلى الشام ومصر لفتحهما، ومحاربة «قانصوه الغوري» سلطانهما المملوكي، الذي بلغه أنه يتآمر عليه مع الشاه إسماعيل الصفوي، فتم له ما أراد وكان ذلك في مطلع عام 922ه كما سنفصله فيما بعد في الفصل الخاص بسورية ومصر.
ولما تم للسلطان سليم فتح الديار الشامية والمصرية، قويت في نفسه آمال السيطرة على العراق العربي والعراق العجمي، وخصوصا بعد أن أعلن نفسه خليفة للمسلمين، وشرع في الاستعداد للقضاء على الصفويين، وأخذ يبعث الدعاة إلى العراق يطعنون في عقيدة الصفويين، ويهدمون طريقتهم الصوفية، ويقولون إن هذه الطريقة «القزل باشية» ليست سوى طريقة أهل الضلال والمارقين عن الإسلام، حتى أصبحنا نجد على الشاه إسماعيل في كتب معاصريه من الأتراك والشاميين والمصريين حملات جد عنيفة، ونضرب على ذلك مثلا بما ذكره ابن العماد الحنبلي المؤرخ الكبير في كتابه «شذرات الذهب» حيث يقول: «وفي أيامه - أي أيام السلطان سليم العثماني - ظهر إسماعيل شاه، واستولى على سائر ملوك العجم، وملوك خراسان، وأذربيجان، وتبريز، وبغداد، وعراق العجم، وقهر ملوكهم، وقتل عساكرهم بحيث قتل ما يزيد على ألف ألف، وكان عسكره يسجدون له، ويأتمرون بأمره، وكان يدعي الربوبية، وقتل العلماء وأحرق كتبهم ومصاحفهم ، ونبش قبور المشايخ من أهل السنة وأخرج عظامهم وأحرقها، وكان إذا قتل أميرا أباح زوجته وأمواله لشخص آخر، فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همته لقتاله، وعد ذلك من أفضل الجهاد، فالتقى معه بقرب تبريز بعسكر جرار، وكانت وقعة عظيمة فانهزم جيش شاه إسماعيل»،
3
ويقول المؤرخ قطب الدين صاحب: «الإعلام بأعلام بيت الله الحرام» عن الشاه إسماعيل: «قتل خلقا لا يحصون ... وقتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق أحدا من أهل العلم في بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم ... وكلما مر بقبور المشايخ نبشها وأخرج عظامها وأحرقها، وإذا قتل أميرا، أباح زوجته وأمواله لشخص آخر.»
4
فأنت تحس من هذه العبارات أن السلطان سليما قد أحسن نشر الدعاوة ضد الصفويين، وعمل على تنفير الناس منهم، مع أنهم لم يكونوا على الشكل الفظيع الذي وصفهم به ابن العماد والقطب، ولكنها السياسة ما دخلت شيئا إلا أفسدته.
Página desconocida