La Era del Despertar: Historia de la Nación Árabe (Parte Uno)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
Géneros
كان بعد بعثته يكتب اسمه، وأنه محا كتابة معينة بيده في أثناء مفاوضات صلح الحديبية، وكتاب عقد الصلح، وبقطع النظر عن سند ومضمون تلك الروايات، فليس من المستبعد أن يكون قد تعلم القراءة والكتابة بعد بعثته، كما أن الآية لا تنفي ذلك، غير أن هذا إن كان وقع قد ظل فيما نعتقد في دائرة محدودة لا تتعدى كتابة الاسم أو قراءة بعض الجمل؛ لأنه لو تعدى هذه الدائرة لأثر في الروايات والأحاديث على الأقل،
35
ويتجلى من هذا أن الأستاذ دروزة يميل إلى مذهب الذهبي في أن الرسول قد تعلم القراءة والكتابة بعد البعثة؛ لكثرة ما أملى، واتصل بالكتاب، ولكن علمه لم يتجاوز الجملة أو بعض الجمل.
أما المستشرقون فقد بحثوا في الأمر مفصلا، وأفضل من بحث فيه هو شيخ المستشرقين في هذا القرن، وهو البرنس كايثاني، فقد ذهب إلى: «أنه من غير المعقول أبدا ألا يكون النبي قارئا وكاتبا، وحجة ذلك ما في القرآن من المعارف والعلوم والأخبار، وأحوال الكتابة والكتاب، فمن المستحيل أن يصدر عن رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، وأن فتيان قريش وشبابها من لداته وبيئته وأبناء عمومته وخئولته كانوا يقرءون ويكتبون، وأن الفترة التي كان بها محمد كانت فترة تتجه نحو الثقافة والتكامل العقلي، فلا يعقل أن يشب محمد أميا في هذه البيئة، ولكن محمدا - إظهارا لكون حركته حركة إلهية ومعجزة - كان يخفي علمه بالكتابة والقراءة، ويكتم ذلك على الناس وعن أصدقائه.»
36
أما الشق الأول من كلام المستشرق كايثاني فلا غبار عليه، ولكنا نخالفه في الشق الثاني؛ وهو دعواه أن النبي كان يكتم أمره ويتظاهر بالأمية؛ ليكون ذلك أوقع في قلوب سامعيه، وهو أمر يأباه ما أثر عنه
صلى الله عليه وسلم
من خلق نبيل وصدق متوافر مقطوع به، كما يجل على أن يتصف ذلك «الأمين» الذي خبره قومه، وعرفوا سمو خلقه، ونبل نفسه، وصدق حديثه، ثم إن سورة العنكبوت لتدل دلالة صريحة على كون النبي أميا لم يتعلم الكتابة كما كان يتعلمها لداته؛ لأن القرآن كان منتشرا بين الناس يقرءونه ويعونه، فلو كان فيهم من عرف أن محمدا قد تعلم معه أو فيهم ما قد يدل على تعلمه الكتابة والقراءة لأنكر عليه مضمون تلك الآية، ولكن شيئا من ذلك لم يكن.
وصفوة القول في هذه القضية - وهو الذي نرتئيه - هو أن محمدا كان قبل البعثة لا يقرأ ولا يكتب، ولم يؤثر عنه أنه تعلم في كتاب ، ولا درس في مدارس، ولا لازم شخصا من لداته أو شيوخه تعلم منه الكتابة والقراءة، وإنما كان واسع الإدراك ذكيا فطنا لبيبا، ولما أوحى الله إليه أن يبشر بدينه ويدعو إلى تقديسه كثر اختلاطه بالناس من كتاب وقراء في مكة والمدينة اللتين كانتا تعجان بالقراء والكتاب، وكان لأماليه على كتابه، وقراءاتهم أمامه وتدقيقه في رسائلهم وأوراقهم ووثائقهم وشدة تعمقه في تتبع كل جليل ودقيق، وبخاصة في أمر الرسائل - كما سنرى ذلك مفصلا فيما بعد - أثر كبير في تعلمه الكتابة والقراءة، وإحاطته ببعض متعلقاتها ، ومعرفته ببعض قواعد الخط وأصوله، ولسنا نرى في هذا أيه غضاضة على معجزاته، فإن العلي القدير قد حباه بمواهب انفرد بها، ومزايا كانت موضع الغرابة والعجب والفخر
صلى الله عليه وسلم . (2-2) مواهبه وثقافته
Página desconocida