La Era del Despertar: Historia de la Nación Árabe (Parte Uno)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
Géneros
وبعد، فهذه هي الحضارة السومرية، وهي أول حضارة عربية عريقة بلغت الأوج، ودلت على أن مثل هذه الحضارة بواكير حضارات أعرق ستكشف عنها التنقيبات الدائبة التي يعمل العراق الحديث على كشفها. (2) الدولة الأكادية
خرج الأكاديون (الأكديون) من قلب الجزيرة العربية إلى وادي الرافدين في العراق، وجاوروا السومريين في حوالي بداية الألف الثالث قبل الميلاد، وكونوا دولتهم فيه، وقد عاشوا في بادئ أمرهم إلى جانب السومريين، واقتبسوا منهم حضارتهم وعلمهم وثقافتهم، ثم أخذوا يتكتلون حتى تمكنوا من التغلب عليهم في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، حين نبغ فيهم الملك المصلح سرجون، فقضى على الدويلات السومرية، ووحد العراق كله، ثم توسع في ملكه حتى غدا ملكه إمبراطورية واسعة، كانت أول إمبراطورية في تاريخ حضارة الإنسان؛ فقد استولى على كافة الهلال الخصيب، وديار عيلام، وآسيا الصغرى، وشيد مدينة عظيمة جعلها عاصمة ملكه الواسع سماها «أكد»، وبها سميت الدولة.
وقد خلف الملك «سرجون» العظيم ملوك كبار، ساروا في سبيل رفع شأن أمتهم وتعزيز مكانتها، ومن أجل هؤلاء الملوك «نرام سن» الذي سار سيرة سرجون في الفتح حتى بلغت جيوشه إلى قبرص، ولكنه ما لبث أن مات فتقهقرت الدولة الأكدية، وأخذ نفوذها يتقلص بهجوم «الكوتيين» عليها؛ وهم أقوام من برابرة الجبال الشمالية والشرقية في العراق، فقضوا على الدولة الفتية القوية السائرة في سبيل الحضارة، واستولى على ديارهم ملوك الكوتيين الجهال الحفاة؛ فاختل حبل الأمن، وعمت مساوئ الجهالة مدة حكمهم التي دامت نحوا من قرن، وكادت شعلة الحضارة الأكدية بجذورها السومرية أن تنطفئ لولا قيام دويلة سومرية في مدينة «لكش» وما حولها، وقد خلفت لنا «لكش» آثارا جليلة في الأدب السومري، ومآثر جليلة في المعابد والقصور والمحلات العامة، وقد كان أحد ملوك هذه الدويلة وهو الملك «كودية» من عظماء الملوك لآثاره الجليلة، وقد حفظ لنا الدهر نماذج رائعة من الأدب السومري من عهد «كودية».
ولما اشتد ضغط الكوتيين على أهل المدن الأكدية تجمعوا بزعامة البطل «أوتو جكال»، فقضى على الكوتيين، وأسس مملكة جديدة في مدينة «وركاء»، ولكن عهده لم يطل؛ إذ ثار عليه أحد أتباعه، وهو حاكم مدينة «أور»، فأسس أسرة حاكمة دامت فترة غير قصيرة من الزمن، عرفت بأسرة «أور الثالثة».
وقد كان عهد هذه الأسرة الحاكمة من أزهى عصور الأكديين؛ لما بلغوه في عهدها من التقدم العلمي والاجتماعي والسياسي، وقد كان عدد ملوك هذه الأسرة خمسة، اشتهروا كلهم بالعمل المثمر والعمران الراقي، والسير في سبيل الحضارة، وخلفوا آثارا فنية قيمة، كما شادوا كثيرا من القصور الفخمة، والمعابد المدرجة الضخمة (الزكورات)، والتي ما تزال أطلالها ماثلة إلى أيامنا هذه.
وعلى الرغم من عظمة ملوك هذه الأسرة، فإنهم لم يستطيعوا إعادة الدولة إلى ما كانت عليه من قبل من القوة والوحدة والسلطان.
ومما هو جدير بالذكر أنهم فكروا جديا بالتآلف مع إخوانهم السومريين، فاتحدت الدولتان وامتزجت حضارتاهما، فكونتا حضارة عظيمة خالدة عرفت بالحضارة السومرية-الأكدية، وقد ظلت في ازدهار نحوا من عشرين قرنا، وهيئت الجو للحضارة البابلية العظيمة، وما جاء بعدها في وادي الرافدين من حضارات. (3) الدولة البابلية
دخل العراق في الألف الثالث قبل الميلاد جيل من العرب يعرف بالعموريين، زحفوا من غربي الجزيرة العربية في سوريا إلى العراق، ويظهر أن الأكديين حين فقدوا نفوذهم السياسي، واشتد خلافهم مع السومريين، ورأوا اضمحلال دولتهم استنجدوا بالعموريين؛ فقدم هؤلاء عليهم بسيول جرارة، سائرين مع الفرات مخلين سهل شنعار بمدنه وقراه، وفي سنة 2050 قبل الميلاد احتلوا بابل، وكانت قرية لطيفة أعجبتهم بحسن موقعها وطيب مناخها، فاعتنوا بها، وجعلوها عاصمة مملكتهم حتى عدت في فترة قصيرة مدينة عظيمة، وتتابع على بابل نفر من الأملاك كان أعظمهم سادسهم الملك حمورابي الذي حكم البلاد من سنة 1948 إلى سنة 1905 قبل الميلاد، فوحد العراق، وقضى على العيلايين الذين احتلوا بلاد السومريين، كما استولى على أراضي آشور والفرات، ووصل إلى البحر الأبيض المتوسط، وكان عهده الذي دام ثلاثة وأربعين عاما من أزهر عصور بلاد الرافدين، ثم خلف من بعده ملوك لم يستطيعوا أن يتمموا ما بدأ به وما شيد، فأخذت الإمبراطورية البابلية تنحدر قليلا فقليلا حين ثار الكاشيون من سكان سواحل الخليج العربي وجبال إيران على الدولة البابلية، واقتطعوا منها جزءا، كما تقدم الحثيون من سكان آسيا الصغرى إليها، واستولوا على جزء آخر منها، ولم يستطع الملك شمسوديتاثا الوقوف أمام الغزو الحثي؛ فسقطت بابل في يد الحثيين القساة، وأمعنوا فيها تخريبا وسلبا.
وقد اغتنم الكاشيون في الجنوب فرصة انشغال الحثيين في الشمال بالسلب والنهب والتخريب، فأغاروا عليهم، واستولوا على بابل، وطردوهم من البلاد، وأقاموا أنفسهم حكاما على الديار البابلية في سنة 1750 قبل الميلاد. وكان استيلاء الكاشيين هؤلاء سببا من أهم أسباب التأخر العمراني والانحطاط السياسي في البلاد، وخسرت بابل مركزها العالمي الذي لم تستطع أن تسترده إلا في أيام الكلدانيين بعد عصور.
وقد ظل الكاشيون مسيطرين على البلاد إلى أن طردهم الآشوريون منها، وضموها إلى مملكتهم، وعلى الرغم من أن بابل قد حاولت عدة مرات التخلص من النفوذ الآشوري، فإنها لم تستطع الإفلات من أيدي الآشوريين، وظلت خاضعة لحكمهم إلى أن سقطت مدينة نينوى.
Página desconocida