Época del Renacimiento: Historia de la Nación Árabe (Parte Ocho)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Géneros
وهكذا سار الشريف فيصل نحو شمالي الحجاز لينازل الجيش التركي، وقسم جيشه إلى قسمين: قسم صغير مؤلف من خمسمائة مقاتل، امتطى سفينة بريطانية متجها في البحر نحو «الوجه»، وقسم كبير مؤلف من نحو عشرة آلاف مقاتل سار إلى «الوجه» عن طريق البر، وتم الاتفاق بين القسمين على أن تصل الحملة البرية في 23 كانون الثاني سنة 1917م إلى «الوجه»، وتصل إليها الحملة البحرية في التاريخ نفسه. ولكن الحملة البرية تأخرت لأسباب قاهرة، ووصلت الحملة البحرية في موعدها. ولما رأى قائدها أنه لا يستطيع البقاء في الماء طويلا، اضطر أن يطلق المدافع على ميناء «الوجه» ويحتلها ويجلي الحامية التركية فيها، ثم وصلت الحملة البرية بقيادة الشريف فيصل، فطهر المنطقة من فلول الأتراك، وسيطر على شمالي البلاد الحجازية.
ولم يبق في يد الأتراك إلا «المدينة» نفسها، ففكروا أن ينسحبوا منها ويركزوا قواهم في المنطقة الواقعة بين «معان» و«بئر السبع» على الخط الحجازي الحديدي الواقع بين المدينة ودمشق. فأخذت القوات العربية تعمل في الخط الحجازي ومحطاته وجسوره تخريبا؛ لتعوق القوى والمؤن من الوصول إلى الجيش التركي في المدينة، وسار قسم من هذه القوات بقيادة الشريف ناصر، وكان فيها الشيخ عودة أبو تايه زعيم عرب الحويطات، والمستر لورنس، ووجهتها «العقبة» لاحتلالها، فوصلتها في تموز سنة 1917م بعد أن خربت المحطات والجسور والسكك الحديدية، وشتت شمل الحامية التركية المرابطة هناك.
وكان استيلاء القوى العربية على العقبة نهاية معارك الثورة العربية في الحجاز وابتداؤها في الشام؛ فإن الشريف فيصل سار بقواه في الجزيرة نحو فلسطين، وتوحدت قواه مع قوى الحلفاء تحت قيادة الجنرال أللنبي.
وأخذت القيادة المشتركة تعمل في تطهير أراضي فلسطين من فلول الجيش التركي بقية عام 1917م ومطلع عام 1918م، ولمع نجم الشريف زيد بن الحسين أصغر أنجال الشريف حسين في هذه الفترة، واستولى الجنرال أللنبي على «القدس» و«الصلت» و«عمان »، ثم جرت معارك عنيفة بين الجانبين حول «معان»، وخرج منها الأتراك بعد أن فقدوا عددا كبيرا من الضباط والجنود، وتوجهت القوى العربية والحليفة إلى حوران، فدخلتها في أيلول سنة 1918م بعد أن مزقت الجيش التركي الرابع شر تمزيق الذي كان السفاح جمال باشا يفخر به، ويقول: إنه جيش لا يقهر، فتشتت شمله، وأخذت القوى العربية تنظم وحداتها وتطهر البقاع المجاورة من الفلول التركية حتى كان شهر تشرين الأول من تلك السنة، فزحفت نحو دمشق بقيادة الشريف ناصر، ورحب الناس بها أعظم ترحيب، وألف أول حكومة عربية برئاسة السيد شكري الأيوبي، ثم ما عتم الأمير فيصل أن قدم إلى دمشق فاستقبلته استقبالا لم تستقبل به أحدا منذ قرون عديدة؛ لشدة تعلقها بالحرية، ولأنه كان رمز النضال القومي ضد المستعمرين الظالمين الأتراك.
وشرع الأمير فيصل بتنظيم أحوال البلد وترتيباتها الإدارية وتعريب دواوينها ، وألف حكومة جديدة برئاسة القائد علي رضا الركابي، وأرسل شكري الأيوبي حاكما عسكريا في حلب لينظم له الأمور؛ لأنها أكبر مدينة في بلاد الشام، فنظم أمورها وأخذ يعد العدة لاستقبال الشريف فيصل، فلما قدمها احتفلت به احتفالا جد عظيم، وخطب في حفل كبير ضم وجهاء البلد خطابا نورد بعض مقاطعه لخطورته، ولأنه يبين لنا كثيرا من آراء القيادة العربية في الحركة القومية، والأوضاع العامة للبلاد، قال:
لا شك في أنكم أيها السادة ترون منا أعمالا مهمة؛ إن حلب هي من أقاصي بلاد العرب، ولم يتصل بأهلها ما وقع بيننا وبين الأتراك، وما هو سبب قيامنا ضدهم، إن الأتراك كانوا يشيعون أن الأشراف اتفقوا مع الدول الغربية على بيع البلاد لقاء دريهمات أخذوها منهم، وأخرجوا ضدنا فتاوى ربما اغتر بها بعض البسطاء وصدقها، فنقول في رد وبطلان ما زعمه الأتراك وفيما شيعوه: إن الدين الإسلامي نشأ بقدرة الله تعالى، وانتشر بواسطة محمد النبي العظيم الذي تنسب إليه أسرتنا، فهل يتصور أحد أن أناسا يرضون بهدم ما بناه لهم جدهم من المجد والشرف، نحن لم نقم إلا لنصرة الحق وإغاثة المظلوم.
لقد ساد الأتراك ستمائة سنة هدموا خلالها صرح المجد الذي أقامه أجدادنا، وأرادوا أن يطفئوا نار العرب، ولكنها لم تطفأ؛ لأن العرب عاشت قرونا وأجيالا لم يتسن لغيرها من الأمم أن تعيش مثلها، وكانت العرب تنتظر الفرص لتنتهزها حين سنوحها.
نحن العرب نمنا ستمائة سنة، ولكننا لم نمت، ولما أعلن الأتراك النفير العام أتوا بأعمال تتبرأ منها الإنسانية، لا نرى لزوما لعدها، وكانت العرب تطالب الأتراك بحقوقها، فاغتنموا الفرصة التي مكنتهم من الانتقام من العرب.
ولقد رأى والدي أن دولة الترك لا تعمل لأجل دين أو عمل عام ينفع البلاد، وأنها أعلنت جهادها مع ألمانية لمجرد الانتقام من العناصر الخاضعة لها مثل العرب، وتبين له أن مبادئ الحكومات الغربية المدنية هي مبادئ إنسانية، مبادئ خير، مبادئ نصرة الحق، فاتفق معهم بعد الاتكال على قوة الله تعالى لعلمه أنهم ينصرون الضعيف ويساعدون على إعادة حقوق الأمم المحكومة، وتعاهد معهم على إزاحة حكومة الأتراك واستخلاص ما اغتصبوه منا نحن العرب. وباسم العرب حالف والدي الحكومات الغربية، وقام معهم ضد تركية وألمانية كتفا إلى كتف، لا كما زعم الأتراك من أن قيامنا كان نتيجة مطامع شخصية.
إن الأمم الغربية قد ساعدتنا مادة وستساعدنا معنى، وإني لأتلو عليكم برقية وردت إلي منذ ثلاثة أيام تبين لكم إحساسات الدول الغربية نحونا؛ ليفهم أهل الوطن أننا لم نبع البلاد، ولن نبيعها أبدا.
Página desconocida