Historia de la Civilización Islámica (Parte Uno)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Géneros
ولا بد من النظر في الأسباب التي أعانت معاوية على إخراج الخلافة من أهل البيت وحصرها في قبيلته، وكان هو وكل الذين بايعوه يعتقدون أن أهل البيت أحق بها منه، والأسباب عديدة ذكرنا بعضها في ما تقدم، ومنها أيضا أن معاوية استخدم في شد أزره رجالا هم أشهر دهاة الإسلام استدناهم إليه بالأطماع، منهم عمرو بن العاص فقد أطمعه بمصر فساعد على مبايعته كما قد رأيت، ومنهم زياد بن أبيه وهو رجل لا يعرف أبوه ولكنه ذو دهاء وسياسة فانتحل معاوية حكاية استلحقه بها بنسبه وزعم أنه أخوه من أبيه أبي سفيان وسماه زياد بن أبي سفيان، فكان زياد هذا من أكبر أعوان معاوية وله فضل كبير في تأييد هذه الدولة في العراق وغيره، وابنه عبيد الله بن زياد هو الذي قتل الحسين بن علي قتلته المشهورة على يده، وما زال آل زياد يعدون من قريش حتى رد نسبهم الخليفة المهدي (سنة 195ه) إلى رجل اسمه عبيد الرومي من ثقيف، وممن استخدمهم معاوية في تأييد خلافته المغيرة بن شعبة، وهو الذي شجعه على مبايعة ابنه يزيد بالخلافة وحصر الخلافة في نسله وساعده أيضا في استدناء زياد بن أبيه.
والمؤرخون يعدون هؤلاء الأربعة أعظم دهاة العرب، ومن ذلك قول أحدهم «ما رأيت أثقل حلما ولا أطول أناة من معاوية، ولا رأيت أغلب للرجال ولا أبذلهم حين يجتمعون من عمرو بن العاص، ولا أشبه سرا بعلانية من زياد، ولو كان المغيرة في مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بالمكر لخرج من أبوابها كلها».
ومما ساعد معاوية على الفوز أن عليا لم يكن يرى الاحتيال في الملك ولا يعرف الدهاء في السياسة، يدلك على ذلك ما فرط منه من هذا القبيل لما بويع بعد مقتل عثمان، فجاءه المغيرة يومئذ وأشار عليه باستبقاء معاوية وسائر العمال، كما كانوا في زمن عثمان حتى يستتب له الأمر وتجتمع على بيعته القلوب وتتفق الكلمة، ثم يفعل بعد ذلك ما شاء وهو رأي رجل حازم، فعده علي من قبيل المداهنة في الدين فلم يعمل به، ونصحه أيضا مثل هذه النصيحة ابن عمه عبد الله بن عباس فأبى، فقال له ابن عباس «يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست صاحب رأي في الحرب، أما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول الحرب خدعة؟» فلم يقتنع
1 ... أما المغيرة فلما رأى ضياع نصيحته معه عمد إلى مسايرته وعاد إليه في الغداة وحسن له ما رآه، ولو عمل علي برأي المغيرة وابن عباس لما نقم هؤلاء عليه ولا خرج المغيرة ولا غيره من أحزابه ولا كانت واقعة الجمل، وربما لم يصل الأمر إلى بني أمية. (1-1) بذل المال
وهناك عامل ذو تأثير عظيم استخدمه معاوية وسائر بني أمية في تأييد سلطانهم، نعني به «المال»، فقد كانوا يصطنعون به الأحزاب ويستدنون به الأعداء، فيبذلون للشعراء والوافدين، ففازوا به على علي بن أبي طالب وأولاده وأحفاده، على حين أن هؤلاء كانوا يعدون استخدام المال في هذا السبيل رذيلة يجلون أنفسهم عنها، ويعتقدون أن الحق وحده يكفي لتأييد دعوتهم، وقد صح زعمهم هذا في أوائل الإسلام والناس في دهشة النبوة قبل أن تغلب عليهم أهواؤهم، فلا نظن أهل الكوفة نكثوا بيعة الحسين إلا بالمال، حتى آل الأمر إلى قتله فكأنهم قتلوه بالمال، وهم لم يقتلوا عبد الله بن الزبير إلا بالمال، ولو بذل عبد الله هذا المال مثلهم لكانت الخلافة في نسله لا في بني أمية، ولكنه استنكف أن يعطي الناس من أموال الكعبة فأضر بنفسه، وقد صرح بذلك خصمه عبد الملك فقال وهو على فراش الموت «ما أعلم أحدا أقوى على هذا الأمر (الخلافة) مني، إن ابن الزبير طويل الصلاة كثير الصيام، لكنه لبخله لا يصلح للسياسة».
وكان أخوه مصعب بن الزبير مع ذلك ينفق الأموال الطائلة على نفسه وأهله، حتى إنه بذل مليون درهم في زواج سكينة بنت الحسين، وكان الجند في ضيق يطلبون مالا ولا يعطي لهم، فكتب عبد الله بن همام إلى عبد الله بن الزبير يقول:
بلغ أمير المؤمنين رسالة
من ناصح لك لا يريد خداعا
Página desconocida