Historia de la Civilización Islámica (Parte Uno)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Géneros
فنبوغ هؤلاء الرجال وأمثالهم في أوائل الإسلام، كان من أكبر العوامل في سرعة نجاحه، وكان المسلمون يعلمون ذلك حتى إن النبي نفسه قال في أول ظهور الدعوة «اللهم أيد الإسلام بأبي جهل بن هشام» ولما أسلم حمزة وعمر بن الخطاب قال «قد تأيد الإسلام بحمزة وعمر»، وأمثال أبي بكر وعمر وعلي وابن العاص ومعاوية وخالد لو ظهروا اليوم لكانوا من عظماء الناس الذين يمثلهم العالم المتمدن بعظمتهم، كما يتمثل الإفرنج ببونابرت وكرومويل وبسمارك وغلادستون وغيرهم، غير من ظهر من رجال الإسلام في عصر الأمويين والعباسيين. (2-5) الصبر والمطاولة
أصبح العرب بعد فشلهم في واقعة مؤتة وقد عرفوا قوة الروم وخبروا كثرتهم، وعلموا أن قتالهم غير قتال أهل البادية الذين كانوا يغزونهم ببلاد العرب، فلما تحققوا من ذلك جعلوا عمدتهم في حروبهم الصبر والمطاولة، والصبر هين عليهم لاكتفائهم بالشيء اليسير من الطعام واللباس كما تقدم، وإذا قل زادهم عمدوا إلى الغزو واقتاتوا بما تصل إليه أيديهم من الماشية أو الحنطة أو غيرهما.
وكانت حروبهم في أول خروجهم إلى الشام والعراق أشبه بالغزو منها بالفتح، بل تلك كانت قاعدتهم في أكثر فتوحهم، كانوا يرسلون جماعة منهم لغزو البلد الذي يريدن فتحه - وقد لا يكون قصدهم الفتح في بادئ الرأي - فيحومون حول البلد يغزون وينهبون حتى تتاح لهم فرصة للفتح فيغتنمونها، كذلك فعلوا في كثير من فتوحهم في صدر الإسلام وبعده، فإن موسى بن نصير إنما أرسل طارقا إلى سواحل إسبانيا سنة 92ه غازيا لا فاتحا، فاتفقت له أسباب ساعدته على الفتح تشبه الأسباب التي ساعدت العرب على فتح الشام فدخل طارق الأندلس، فلما بلغ موسى ذلك استغربه وشق عليه أن لا يكون هو الفاتح فبعث يستوثق منه، إلى آخر ما كان بينهما، هكذا كان شأنهم قبل ذلك في فتح إفريقية وما يليها. (2-6) نجدة العرب
كان الإسلام في أول أمره نهضة عربية، والمسلمون هم العرب حتى أصبح اللفظان مترادفين في كثير من الأحوال، وكان العرب أقرب الأمم للدخول في الإسلام لما اختصهم به دون غيرهم من الافتخار، وتمكن ذلك من الأذهان خصوصا لما أمر عمر بإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب.
خريطة مشارف الشام والعراق.
والمسلمون لم يهاجموا مدن الشام والعراق رأسا، ولكنهم قضوا زمنا طويلا يغزون ضواحيهما مما يلي البادية، وسكان تلك البادية عرب مثلهم وفيهم الغساسنة في بصرى وغيرها من حوران على حدود الشام، والمناذرة بنو لخم في الحيرة على حدود العراق، وكان الغساسنة عمال الروم في الشام، وبنو لخم عمال الفرس في العراق، ولم يكن هؤلاء العرب يحبون الروم ولا الفرس، وإنما كانوا يخضعون لهم قسرا أو طمعا في الغنائم إذا حاربوا معهم، وخصوصا بنو لخم، فقد كان بينهم وبين الفرس ضغائن على أثر مقتل النعمان بن المنذر الملقب أبا قابوس، فإن كسرى أبرويز قتله وحصلت بسبب قتله واقعة شهيرة بين الفرس والعرب في مكان يقال له «ذو قار» وبه تعرف الواقعة، فيها انهزم الفرس شر هزيمة، وهي أعظم واقعة انتصف فيها العرب من العجم، ومن غريب الاتفاق أنها حدثت في السنة التي جرت فيها واقعة بدر الكبرى، والعرب فازوا في كلتيهما.
وظلت الضغائن بين المناذرة والفرس حتى جاءهم المسلمون، وعرض عليهم خالد بن الوليد الإسلام أو الجزية أو السيف، فاختاروا الجزية وصالحوه على مال يدفعونه كل عام، ووقع نحو ذلك في بصرى وغيرها من بلاد العرب والنصارى في ضواحي الشام، وفي غيرها من بلاد العرب في حدود البادية بين العراق والشام، كعين التمر وفيها قوم من كندة وإياد، وقراقر وهو ماء لبني كلب، وغيرهم من القبائل التي حاربها خالد في أثناء قدومه من العراق إلى الشام، فكانت العرب أقرب سائر الأمم إلى نجدة الإسلام للأسباب التي قدمناها، ولأسباب أخرى تختص بكل قبيلة على حدة، كحقد عرب اليمن على الفرس منذ فتحوا بلادهم وحكموهم قبل الإسلام، ثم تقلص ظلهم عنهم وانحسر إلى البحرين، وكانت ربيعة تقيم في الجزيرة ببلاد الفرس، وكانوا عونا للعرب المسلمين على الفرس، نكاية في هؤلاء.
وكثيرا ما كان هؤلاء العرب وغيرهم من أهل الشام الأصليين يضافرون المسلمين على الروم فرارا من أداء الجزية، كما فعل الجراجمة في جبل اللكام، فإن حبيب بن مسلمة الفهري غزاهم فبادروا بطلب الأمان، فصولحوا على أن يكونوا أعوانا للمسلمين وعيونا ومسالح في جبل اللكام وأن لا يؤخذوا بالجزية ... ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الأنباط وغيرهم من أهل القرى في هذا الصلح فسموا الرواديف. (2-7) خط الرجعة
ثم إن العرب كانت قاعدتهم في حروبهم هناك المحافظة على خط الرجوع، فلا يقاتلون الفرس أو الروم إلا وهم في حيطة، وكان حفظ ذلك الخط هينا عليهم، لأنهم كانوا يجعلون الصحراء وراءهم وهي ملجأهم، فإذا اندحروا لا يستطيع الروم أو الفرس اللحاق بهم إليها ولا يهمهم ذلك اللحاق، ومتى عاد الروم إلى مساكنهم عاد العرب عليهم، وهكذا حتى يقلقوا راحتهم ويضعفوهم بالمطاولة والصبر، ولو كانوا أقل عددا منهم، وشأنهم في ذلك مثل شأن البوير مع دولة الإنجليز لما حاربوها سنة 1902، كانوا نفرا قليلين فأقلقوا راحة الجيوش الإنجليزية بضع سنوات، وهؤلاء أكثر عددا وعدة وعندهم الحصون والمعاقل، ولكن البوير إنما أتعبوهم بالمطاولة بالسطو حينا بعد حين، ثم الرجوع إلى مكامنهم بين الجبال حيث لا يستطيع الإنجليز الذهاب إليها إلا تحت الخطر الشديد.
وكانت هذه القاعدة مرعية عند العرب يحرضون بعضهم بعضا عليها، ومن هذا القبيل قول المثنى بن حارثة الشيباني، أحد قواد العرب لما علم بقدوم المسلمين لمحاربة الفرس في العراق، فبعث إليهم يقول «قاتلوا الفرس على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب، ولا تقاتلوهم بمقر دارهم، فإن يظهر الله المسلمين فلهم ما وراءهم، وإن كانت الأخرى رجعوا إلى فيئة ثم يكونون أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم».
Página desconocida