Historia de la Civilización Islámica (Parte Uno)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Géneros
وكانت ولاية الأعمال في بادئ الرأي أشبه بالاحتلال العسكري منه بالتملك، وكان العمال، أو الولاة، عبارة عن قواد الجند المقيم بضواحي البلاد المفتوحة بما يعبرون عنه بالرابطة أو الحامية، وكانت الجنود الإسلامية تنقسم إلى قوات تقيم في قواعد عسكرية بأماكن أقرب إلى طريق الصحراء منها إلى السواحل للأسباب التي قدمناها.
وكانت كل قاعدة عسكرية تسمى جندا، فيقال جند دمشق وجند قنسرين وجند الأردن، وكان سلطانها يشمل زماما واسعا يعادل زمام الولاية الرومانية أو البيزنطية التي تقع فيها القاعدة، ومن هنا فقد أطلق على هذه الولايات التي يحكمها قائد قاعدة عسكرية: الجند، فالجند على هذا الاعتبار هي الولاية العسكرية، وكانت أكثر ما تكون على الحدود.
فكانت عساكر الشام أربعة أجناد تقيم في دمشق وحمص والأردن وفلسطين ومنها تسمية هذه الأقاليم بالأجناد ، وقوات العراق كانت تقيم في الكوفة والبصرة، وقوات مصر في الفسطاط وضواحي الإسكندرية ... ولم يكونوا يسكنون القرى ولا المدن ولا يختلطون بالأهلين أول الأمر، وقد منعهم الخليفة عمر بن الخطاب من اتخاذ الزرع، وشدد عليهم في ذلك، فكانوا يقيمون في معسكراتهم إلى زمن الربيع، فيسرحون خيولهم بالمرعى في القرى يسوقها الأتباع ومعهم طوائف من السادات، وكانوا كثيري العناية بتربية خيولهم وأسمائها، ومن أقوال عمرو بن العاص لجنده في مصر «لا أعلمن - ما أتى - رجلا قد أسمن جسمه وأهزل فرسه، واعلموا أني معترض الخيل كاعتراض الرجال، فمن أهزل فرسه من غير علة حططت من فريضته قدر ذلك». (2-2) انتشار الإسلام في البلاد المفتوحة
وكان عمرو بن العاص إذا جاء الربيع كتب لكل قوم بربيعهم ولبنهم إلى حيث أحبوا، فتتفرق العرب في القرى على حسب راياتهم وقبائلهم، وخصوصا في منوف وسمنود وأهناس وطحا، وكانت قرى مصر كلها في جميع الأقاليم يسكنها القبط والروم، ولم ينتتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة الأولى من تاريخ الهجرة، ثم تضاعف في أواسط المائة الثانية، ولم يقووا إلا في المائة الثالثة - يؤيد ذلك أن المسلمين لم ينشئوا في القرى مساجد قبل ذلك الحين، وأن القبط كانوا إذا انتقضوا أتعبوا المسلمين ولا يهون على هؤلاء إخضاعهم، وما زالوا في ذلك حتى أوقع المأمون بهم سنة 216ه وجعل الإسلام ينتشر في القرى.
وقس على ذلك حال الأندلس لما فتحها المسلمون سنة 92ه، فإنهم أقروا أهلها على ما كانوا عليه إداريا وسياسيا ودينيا، وتركوا لهم أعمال الحكومة وإدارة شؤونها، وإنما أبقوا لأنفسهم الرئاسة العامة وقيادة الجند. هكذا كانت حال الأعمال الإسلامية في أوائل الإسلام، إلا ما قرب منها من مركز الخلافة كالشام في أيام بني أمية، والعراق في أيام بني العباس.
فكان العمال في عهد الخلفاء الراشدين قواد الجند الذين افتتحوا تلك الأعمال، وواجباتهم الرئيسية مراقبة سير الأحكام في البلاد التي افتتحوها وإقامة الصلاة واقتضاء الخراج، وقد رأيت في غير هذا المكان أن أعمال الحكومة في البلاد المفتوحة في مصر والشام والعراق ظلت سائرة على ما كانت عليه قبل الفتح، إلى أواسط أيام بني أمية، وبدأت ولايات الأعمال تتحول إلى حكومات محلية من أواخر دولة الراشدين، حتى كانت أيام عبد الملك بن مروان، فأتم السيطرة الإسلامية بنقل الدواوين إلى اللغة العربية، وأخرج منها من لم يعرف لغة العرب فاجتهد أهل البلاد في تعلم اللغة العربية حتى يحتفظوا بهذه الوظائف، وبذلك كان هذا الإجراء الذي قام به عبد الملك بن مروان من أهم ما قام به خلفاء الإسلام، فقد كان له أثر حاسم في تعريب إدارة الدولة الإسلامية وفي نشر اللغة العربية، ثم تنوعت الولايات وصارت درجات متفاوتة، على ما اقتضاه الزمان والمكان، ولكنها ترجع إلى إمارتين: إمارة عامة، وإمارة خاصة، والإمارة العامة ضربان: إمارة استكفاء، وإمارة استيلاء. (3) الإمارة العامة (3-1) إمارة الاستكفاء
فإمارة الاستكفاء أو إمارة التفويض، هي التي كان يعقدها الخليفة لمن يختاره من رجاله الأكفاء، فيفوض إليه إمارة الإقليم على جميع أهله، ويجعله عام النظر في كل أموره، ويشتمل نظره فيه على سبعة أمور: (1)
تدبير الجيوش، وترتيبهم في النواحي، وتقدير أرزاقهم (إلا إذا كان الخليفة قدرها). (2)
النظر في الأحكام، وتقليد القضاة والحكام. (3)
جباية الخراج، وقبض الصدقات، وتقليد العمال فيهما وتفريق ما استحق منهما. (4)
Página desconocida