عليه في سائر الأحوال، فلما فارق النيابة وحضر بتخاص وكان الشيخ نجم الدين المذكور قد تخرج به جماعة، منهم إنسان بصفد يقال له زين الدين بن حلاوات، فدخل ابن حلاوات في بتخاص من جهة الدنيا، ورأى بتخاص شرف نفس الشيخ نجم الدين، وعلو همته وصلابة دينه، وثقل عليه، فلما أظهر له الوحشة، فجافاه الشيخ نجم الدين، وأظهر له نفس (الوحشة) فوقع بينهما، فترك الشيخ نجم الدين الوظيفة، وتوجه إلى دمشق فتلقاه الجوكندار، وأكرم مثواه، وبالغ في الإحسان إليه، ثم بلغ الخبر بولاية كراي المنصوري لنيابة الشام، وسمع بالشيخ نجم الدين، فأرسل إليه أن يحضر لملاقاته، فلما باشر نيابة الشام، ألقى إليه مقاليد الأمور بالشام، وصار له في أيام كراي دولة، لكنه سلك طريق العفاف، وعدم المزاحمة لأكابر الشام في وظائفهم ودنياهم، وقنع بخطابة جامع جراح ونظر مسجد النارنج، وتوقيت دست مع وكالة نائب الشام، فحصل على السلام في جميع أحواله، سيما عندما مسك كراي.
أخبرني والدي أنهم كانوا بالبستان، فجاء شخص من أكابر الشام يدخل عليه في شغل، أحضر بقجة فيها صوف وسنجاب، وذهب مائة دينار، ولم يكن يملك تلك الليلة درهما واحدا، فرد ذلك عليه ووعده بقضاء شغله، قال والدي: ثم التفت إلي، وقال: يا ولدي خذ خاتمي وارهنه على زيت فإنه لا زيت في البيت، وإلى الآن هم في الظلمة فتوقفت غضبا مما جرى، فقال: ستحمد فعلي هذا فيما بعد، وكان قد لقيه ذلك النهار بعض الأكابر وعاتبه، وقال: أنت رجل فقير، ولك أهل وأقارب، وقد حصل لك دولة ففكر في مصلحتهم، وأقبل هدية أصحابك، فشكر نصيحته، ولم يغير طريقته، ثم مسك كراي وأمسكوا أكابر أصحابه، ولم يتعرض أحد إلى الشيخ نجم الدين، لحسن طريقته فيما تقدم، واستمر في وظائفه وأحسن الشاميون إليه ولم يقدر أنه قبل لأحد هدية من غير موقع الرحبة، قدم له دواة ومرملة، وقال:
Página 188