ومنهم الشفوق الودود الوافي بالعهود، المذكور بين الرجال، كثير الصيام والقيام والذكر والسجود، المعروف بالمحاسن والموصوف بالجود، الشيخ داود، ذي الفضائل الشهير بابن كامل، هاجر إلي من عجلون، وحلف أن لا يفارقني حتى المنون، فصدق فيما قاله، وهجر وطنه ورجاله، وكان أشفق الناس علي، وأعزهم لدي، يظهر الغنى لطيب قلبي، ويكثر الثناء بين صحبي، يأكل من كسبه، ويقبل على خدمة ربه، رآه بعض الالزام بالمنام، فأخبر بأنه في الجنة ولله الحمد والمنة.
ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن مؤمن الكفر كناوي، العظيم الشأن في هذا الزمان، له كرامات مشهورة، وأحوال عجيبة مأثورة، ويتكلم بأمور غريبة، والأكابر يقولون أنه من المتمكنين المتصرفين أصحاب العزل والولاية، فتح علي منه مرات، ويحكي عن البلدان والمحلات ما لو حضرها الإنسان ووصفها وهو يشاهدها لم يتمكن أن يقول كقوله، ومع ذلك فمعلوم أنه لم يخرج من بلده ظاهرا قط، وصرخ وقال: صليت الجمعة خلفك مرات، وكل وقت يجهز لي إشارة غريبة فتظهر بعد مدة، وكل من رآه يقول أنه رآه مرات وحاله موهبة، وطريقه السخاء وسلامة الصدر، ويحفظ القرآن ويتكلم في العلوم على المذاهب، وينقل من الكتب ولا يعرف له اشتغال، وأحواله ومكاشفاته ظاهرة لكل أحد، يتحدث بها العام والخاص.
حكى جماعة من أهل الصدق والأمانة أنهم جاؤوا إليه، وقالوا: ادع لنا، وهل لك حاجة إلى دمشق، فقال: سلموا على الشيخ أحمد الحبال، قالوا: فسألنا عنه، فلما جئناه وقال: اجلسوا، أنتم من عند الشيخ عبد الرحمن من كفركنا، فقال: ايش حاله؟ فقلنا يطلب دعاءك ويسلم عليك، فقال: قولوا لي بظهر الغيب، فإنه من الأولياء، فقالوا: أين رأيته؟ فقال: من أربعة أيام كان عندي، وهو متوجه إلى الرها فهل جاء؟ فقلت: والله ما خرج من بلده قط، فضحك وقال: سلموا عليه.
Página 175