Historia de la piratería en el mundo
تاريخ القرصنة في العالم
Géneros
لم يكن أمام ميسون، والحال على هذا النحو، إلا أن يتوجه إلى معلمه طلبا للنصيحة التي تضيء له الطريق، بعد أن اقترح إنزال الهولنديين عند أقرب شاطئ. غير أن كاراتشيولي، الذي كان متحمسا لدعوته، رأى أن على الجماعة أن تبذل قصارى جهدها، وأن تعمل على إصلاح حال الهولنديين ... هذا ما اتفقنا عليه.
جمع ميسون الفرنسيين والهولنديين جميعهم، وقد حزم أمره على أن يعيد تربية هؤلاء الجدد، فقرأ عليهم موعظة طويلة، حذرهم فيها أن وجود الجمهورية العائمة وأمنها سوف يتعرضان للخطر، إذا لم يغير الطاقم من سلوكه. وفي ختام كلمته أعلن ميسون أنه من الآن فصاعدا، سوف يعاقب كل بحار يخرج عن طاعة الله بخمسين جلدة. لقد شعر ميسون بمرارة الإحباط بعد أن اقتنع أن التهديد وحده هو الذي أفلح في تحقيق النتائج التي لم تفلح في إحرازها الطيبة والتسامح. الآن فقط أصبح الهولنديون يطيعونه ويحترمونه، ويسمونه ب «القبطان الطيب». في الوقت نفسه أخذت آراء معلمه كاراتشيولي تأخذ منحنى آخر. ها هو يعلن أنه في المرحلة الأولى من عملية إنقاذ البرية، لن يمكن - مؤقتا - التخلي عن النقود تماما، وأنه سوف يتحتم التعامل معها باعتبارها شرا لا بد منه، بل إنه أعلن أن النقود يمكن أن تكون وسيلة مفيدة لتحقيق نياتنا الحسنة. نتيجة لذلك اعترف بأن من المستحب جمع المال، وأقنع ميسون بأن يتخلى عن تحفظه القديم، وألا يستخف أكثر من ذلك بالكنوز التي تنقلها السفن. أخذ القبطان نيات معلمه بحسن نية، فالرجل قد أعلن أنه سوف يصبح بإمكانهم إقامة جمهورية ديمقراطية على الأرض، بعد أن يجمعوا المصادر المالية الضرورية.
وهكذا عاد ميسون ليصبح لصا بحريا، وإن كانت الأمانة تقتضينا أن نقول هنا إنه كان أكثرهم إنسانية وعطفا، فعندما كان رجاله يستولون على أية سفينة غريبة، كانوا يتجنبون استخدام العنف الذي لا مبرر له، كما أنه لم يكونوا يتعاملون بقسوة وغلظة مع طاقمها، ناهيك عن أنهم كانوا يقدمون العون الضروري للجرحى والمرضى، وعندما كان يتبين لهم أن السفينة التي أخذوها لأناس متوسطي الحال يعيشون من كدهم - كالصيادين على سبيل المثال - كان ميسون يتركهم لحال سبيلهم، دون أن يأخذ منهم شيئا، بل كان يعتذر لهم عما أحدثه من اضطراب، وفي المقابل لم يكن ليرحم الأغنياء، فكان يستولي على كل ما تطوله يداه.
لسنوات عدة ظلت جزيرة أنجوان (إحدى جزر القمر)، هي القاعدة الرئيسية التي ينطلق منها ميسون في حملاته للقرصنة في المحيط الهندي. هنا بالتحديد قرر أن يؤسس جمهوريته، حاول ميسون أن يكتسب ثقة أهل الجزيرة، فسعى إلى استمالتهم إليه، وقد نصحه كاراتشيولي أن يتزوج من ابنة زعيمهم. الفكرة على أية حال ليست مبتكرة، ولكنها مبشرة بالنجاح. على أنه لم ترق ابنة الزعيم لميسون، فقد تزوج من أخت الزعيم نفسه، وهي شابة تتمتع بالجمال. تم الزفاف في جو من الأبهة والفخامة، ثم ما لبث عدد كبير من الطاقم أن حذوا حذو رئيسهم، فتزوجوا من فتيات الجزيرة.
لكن خطط إقامة الجمهورية على أرض هذه الجزيرة اصطدمت بالعديد من المصاعب والعقبات؛ إذ كان السكان شديدي الارتباط بدينهم وعاداتهم القديمة، ولم يفهم ملك الجزيرة ولا زعماؤها معنى الاصطلاحات التي جاء بها الأغراب إليهم، بالإضافة إلى أنهم لم تكن لديهم أدنى رغبة في التنازل عن المزايا الإقطاعية التي كانوا يتمتعون بها. أخيرا فقد الزعيم صبره، فاستهان بعلاقات النسب مع ميسون، وبدأ يهدده بالحرب إذا لم يتخل عن أفكاره الإصلاحية. استسلم القراصنة لليأس، فحملوا زجاجاتهم، وأطفالهم، وممتلكاتهم، على ظهر سفينتهم، وأبحروا إلى مدغشقر، حيث أقاموا في أحد خلجان الساحل الشرقي للجزيرة متجنبين بذلك الاتصال بالقراصنة الآخرين الذين كانوا يحتلون الجانب الغربي من الساحل. كان رجال ميسون يأملون أن يحققوا هنا حلمهم، وقد عاملهم أهالي مدغشقر بكل ترحاب. بعد نزول ميسون وكاراتشيولي إلى الشاطئ، وقد صاحبتهما مراسم احتفالية مهيبة، أعلنا على الفور قيام جمهوريتهما المثالية التي أسماها «ليبرتاليا».
12
وخلافا لمخاوف الصديقين من أن يعوق مزاج المغامرات الذي طبع عليه القراصنة في أن يعتادوا حياة الدعة والاستقرار، فإن هؤلاء ما لبثوا أن باشروا العمل بسرعة، وعن طيب خاطر، وأظهروا انضباطا تغبطهم عليه كثير من المنظمات الحكومية في ذلك الزمان. وبفضل ما تمتعوا به من حب للعمل، استطاع مواطنو ليبرتاليا أن يبنوا في وقت قصير بلدة صغيرة تضم مباني سكنية مريحة، وأخرى للأغراض الاقتصادية، بل إنهم أنشئوا أيضا تحصينات قوية تتيح لهم الدفاع عنها من الهجوم والمطاردة؛ إذ إن سكان ليبرتاليا لم ينقطعوا عن مهنة القرصنة المربحة على الرغم من أفكارها السامية، وحتى يؤمنوا ظهورهم، فقد عقدوا حلفا مع القبيلة المحلية، على أن يدافعوا عنها ضد القبائل الأخرى، وضد الأوروبيين، في مقابل الأيدي العاملة، والمساعدة المسلحة.
كانت الجمهورية تحكم بواسطة مجلس يرأسه ميسون الذي حمل لقب «الحامي»، كان هذا المنصب يتم شغله بالانتخاب لمدة ثلاث سنوات. لم تكن الجمهورية تعترف بالملكية الخاصة. بالطبع كانت هناك خزانة عامة، ولكنها كانت تستخدم فقط لإشباع حاجات ومواطني الجمهورية. وكانت البضائع التي يتم الحصول عليها، تقسم طبقا لمبادئ محددة، بحيث يتمتع الأوروبيون والسكان المحليون بحقوق متساوية. لم تكن هناك أية مكافآت خاصة تمنح مقابل العمل؛ لأنه كان يعتبر واجبا على كل مواطن. أما كاراتشيولي - الذي قام بكتابة دستور الجمهورية - فقد اختير وزيرا للدولة، كما شغل القبطان تيو، القرصان الإنجليزي الشهير الذي انضم بطاقمه إلى جماعة المواطنين الأحرار، فقد تولى منصب القائد الأعلى للأسطول.
بمرور الزمن، انضم إلى الجمهورية - فضلا عن الإنجليز - بحارة كثيرون من أجناس أربعة لتصبح جمهورية القراصنة أشبه ببرج بابل،
13
Página desconocida