Historia de Napoleón Bonaparte: 1769–1821
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Géneros
10
بل كانت غايتها أن تخلق حقا جديدا يصون أعضاء الأمة من أي مذهب كانوا. وبقدر ما كانت شديدة الوطء على الكهنة عندما اقتضى الأمر أن تنزع منهم القسمة الفنية التي وهبها إياها النظام القديم في توزيع الامتيازات الاجتماعية كانت تسعى في أن تبرهن أن شدتها لم تقصد إلا عدم المساواة التي مهدت لصالح الإكليروس ، ولم تطبق إلا على عداوة أصحاب الامتيازات المختلسين، وإذا كانت هذه العداوة قد أدت إلى إغلاق المعابد، وتهييج رسل العقل، وجعل الكنائس منتديات طوال مدة القتال، فمن الضروري أن تبرهن الثورة المنتصرة بصوت رنان لدى استتباب السلام أنها لم تكن عدوة الإكليروس إلا اضطرارا، وأنه لم يكن بينها وبين الدين تنافر قط، بل هي مستعدة لأن تمارس الاعتقادات الدينية التي هي غذاء الشعوب. تلك هي المظاهرة الضرورية التي قامت بها الثورة في تداولها مع روما ونشرها الاتفاقية، وذهابها إلى الكنيسة بعظمة احتفالية في شخص أعظم أبنائها وأشهر ترجمان فيها. قال بونابرت في مذكراته: «إن اتفاق 1801 الكنسي إنما كان ضروريا للدين وللجمهورية وللحكومة ... لقد أوقف الانقلابات عند حدها، وبدد جميع شكوك مشتري الأملاك الوطنية، وقطع الخيط الأخير الذي كان يربط السلالة الملكية القديمة بالبلاد.» وقال في إحدى خطبه: «إن كان البابا غير موجود فمن الضروري إيجاده في مثل هذه الظروف كما كان القناصل الرومانيون يعملون ديكتاتورا في المواقف الحرجة.»
عندما وفق بين البابا وبونابرت، أعطي هذا ضمانا جديدا لتثبيت تلك العلاقة الجديدة بأن أسس ممالك في الأرض الإيطالية التي كان يرغب في الماضي أن يملأها جمهوريات، فأصبحت التوسكان مملكة صغيرة أعطي عرشها إلى دوق ده بارم الذي سلخت عنه ممالكه لتضاف إلى لومباردي.
11
زار هذا الأمير عاصمة فرنسا تحت اسم الكونت ده ليفورن فأقيمت له احتفالات باهرة ظهرت فيها للمرة الثانية العظمة الأريستوقراطية القديمة. إلا أن تلك الاحتفالات لم تستطع أن تخفي قصور ذلك الأمير وعدم كفاءته، وعندما سئل بونابرت سؤال دهشة عن السبب الذي دعا إلى رفع رجل كهذا إلى المقام السامي أجاب: «هكذا شاءت السياسة، ثم لا بأس بأن يرى الشباب الذين لم يروا ملوكا بعد كيف يكون الملوك.»
ألا يعني هذا الكلام أن أفكاره الخفية في إعادة الملكية إنما كانت دائما تحمل الطابع الثوري، وأنه إذا كانت الجمعية الشارعة والاتفاقية قد حاربا الملكية في الملك، فهو يكمل عملهما بأن يمحق الملكية بإقامة ملوك؟
الفصل الثامن
إن الفراغ الذي تركته الثورة الفرنسية في القاعدة الأوروبية القديمة كان بعيدا عن أن يملأ، بل إنه، بالعكس، أخذ يتسع شمالا وشرقا بالفتوحات الفرنسية في ألمانيا وإيطاليا حتى صار من حقه أن يخيف الدواوين الأجنبية خوفا لا حد له، ثم إن نفاد المال، وتعب الشعوب، والحاجة إلى استدراك النكبات التي سببتها الحملات المحزنة والمواقع الخاسرة، والخوف من بلايا جديدة، كل هذا أخضع أوروبا المسيحية والإقطاعية إلى نفوذ فرنسا القاهر، ولقد توصل الشعب الحر، الذي كثيرا ما كان عرضة لهجوم الأمم المستعبدة، والذي عزي إليه الكفر والإلحاد، إلى التفاهم مع البابا والملكية.
يا لمقام الجمهورية الفرنسية من مقام باهر! فإنها بعد أن تحملت ببسالة مدة عشر سنوات أثقال حرب طويلة في سبيل التملص من سطوة الامتيازات رأت نفسها أخيرا على قمة العظمة، متمتعة وهي في أبهى مجالي الحرية والفخر بخيرات المساواة، وقادرة على إدهاش العالم بعجائب السلام كما أدهشته بعجائب الحرب. وإذا كانت جيوشها تضم أشد جنود الزمن وأفضل قواده فإن ولاياتها لتضم أيضا في أحضانها جميع العظماء الذين امتازوا بإدارة الأمة، ففي جمعياتها السياسية صفوة خطباء أوروبا والمحامين فيها، وجمعيتها العلمية أفضل جمعية بين جمعيات العالم كله، وعلماؤها، وأدباؤها، وشعراؤها، ورساموها، والنحاتون يحملون الصولجان في مملكة الفن، أما تجارتها والصناعة فيها فقد مهرتا بالطرق والجسور والترع التي تربو على العدد، وجاءتا تبسطان غناهما تحت شرفات اللوفر، كأنما شاءتا أن تنخسف فخفخة الملكية القديمة، تلك الفخفخة القاحلة، أمام تبرج فرنسا الجديدة، ذلك التبرج المثمر، وأما الشباب، فلكي يكون جديرا بذلك العصر الكبير، رأى المدارس تنفتح في وجهه، ووجد في الخزينة عضدا يساعده على ولوج المعاهدات العلمية. وفي النهاية، مجد عسكري، ومجد سياسي، ومجد أدبي وانتصار الرقي على يد السلاح، والعلوم، والفنون، والصناعة، ثم هدوء تام في الداخل، وسلام عام في الخارج، وفوق كل ذلك وجود بونابرت حاكما في الجمهورية، هكذا كانت حالة الجمهورية بعد معاهدة إميان!
لم يكن ينقص عظمة فرنسا وفلاحها شيء قط، إلا أن هذه الدولة الزاهرة التي كانت توحي الحسد إلى أوروبا إنما كانت تجد في قاعدة الشرائع نفسها تقلبات لا مناص لها منها. كان الجميع معتقدين أن انتصارات الجمهورية، وهدوءها، وتألقها إنما كانت جميعها عمل الرجل العظيم الذي أرسلته الحكمة العلياء لنجدة الثورة، وكانوا معتقدين أيضا أن بقاء ذلك التألق وتلك العظمة يتوقف دائما على نبوغ ذلك الرجل. أفيجوز إذن أن يبعد ذلك العقل المولد عن تولي الحكم ويجرد من مهماته العظمى بلعب الشرائع ومداخلة الدسائس والفتن؟ أمن الحق أن يفترض أن الأول في أداء الخدم، والمجد، والذكاء، والإرادة، وجميع الصفات المجيدة التي يزدان بها رجل الحرب والأمة، يجوز أنه يلقى في مقام متوسط غير ضرورة شرعية؟
Página desconocida