Historia de Napoleón Bonaparte: 1769–1821
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Géneros
عندما شاع على شواطئ إنكلترا أن الإمبراطور أصبح على مقربة منها، خف الأهلون من جميع الجهات وأحدثوا على الشواطئ شبه مظاهرة لنابوليون؛ فهذا الاحتفاء الذي أبداه الشعب، كان يختلف كل الاختلاف عن القدر الذي خصصته الحكومة البريطانية للإمبراطور. أحيطت الباخرة بللروفون بالمراكب المجهزة بالمدافع، وأعطيت أمرا بإطلاق النار على المتظاهرين لتنحيتهم؛ إلا أن إنكلترا بأسرها لم تتردد، بالرغم من هذه الأوامر الوحشية، أن أسرعت لتشاهد بطل فرنسا عن كثب، في حين كان البحر يمتلئ رويدا رويدا بالمراكب المدرعة، حول الباخرة التي كانت سجنا للرجل العظيم، أما نابوليون فقد كان يحترق صبرا، في وسط تلك المظاهرات التي قامت بها الأمة، التي كثيرا ما كانت عدوة له؛ ليعلم أية قسمة تضمرها له الحكومة البريطانية، ولكن لم يمر وقت طويل، حتى قدم اللورد كيث إلى الباخرة بللروفون، حاملا أمرا وزاريا يعين جزيرة سنت هيلين سكنا «للجنرال بونابرت»، فلما علم نابوليون من فم الأميرال عزم الديوان الإنكليزي هذا، استسلم للغضب والسخط، واعترض بكل قواه على اختراق حرمة حقوق البشر، قال: «إني ضيف إنكلترا لا أسيرها، ولقد جئت بإرادتي أضع نفسي تحت حماية شرائعها، إنهم يخترقون حرمة حقوق الضيافة المقدسة، فلن أرضى مختارا بالإهانة التي تصوبونها إلي!»
أما إنكلترا، فلكي تجعل المنفى أشد ظلما على نابوليون، أرادت أن تحصر حاشيته في ثلاثة لا غير، وحذفت من رفاقه سافاري ولاللمان، اللذين اعتقدا أن سيضحى بهما على المقصلة، التي نصبها لويس الثامن عشر في الرابع والعشرين من شهر تموز. وأما نابوليون فاسترأى لاس كاز في ما إذا كان من الممكن احتمال حياة كهذه، فأخذ لاس كاز يعزيه بقوله: «من يعلم ماذا يخبئ الوقت؟» ثم أشعره بأنه يستطيع أن «يعيش في الماضي»، فأجابه الإمبراطور: «إذن فسنكتب مذكراتنا. أجل، يجب أن نعمل، فالعمل هو منجل الوقت، ثم إنه من الواجب علينا أن نقوم بما قدر لنا.» وهكذا عاد نابوليون إلى نفسه! فإذا كانت رداءة الرجال ولؤمهم ونكرانهم الجميل قد دفعته فترة إلى اليأس وأرهقته بالغموم؛ فإن ذكريات مجده القديم لترفعه عن هذا اليأس وتلك الغموم.
في الرابع من شهر آب خرجت الباخرة بللروفون من المرفأ، ولكنها لم تتجه إلى الجنوب بل سارت في مياه المانش؛ فأدرك نابوليون أنه سينتقل إلى باخرة أخرى، وهي النورثنبرلان، التي ستقله إلى سنت هيلين.
نعرب هنا الكلمات القوية التي وجهها إلى اللورد كيث، ساعة حمل هذا إليه النبأ المشئوم بإقلاله إلى جزيرة سنت هيلين، والتي أرسلها نابوليون إلى الأميرال، قال: «إني أعترض اعتراضا علنيا، أمام السماء الرجال، على الظلم الذي لحق بي، وعلى اختراق حرمة حقوقي المقدسة بالتصرف، بالقوة الجبرية ، بشخصي وبحريتي، لقد جئت مختارا إلى بللروفون لدى إلحاح الأميرال نفسه، الذي قال إن لديه أوامر من الحكومة باستقبالي والذهاب بي إلى إنكلترا مع حاشيتي، إذا راقني ذلك، وما كدت أصل إلى بللروفون حتى رأيتني في وطن الشعب البريطاني. أما إذا كانت الحكومة، عندما أصدرت أوامرها لأميرال بللروفون باستقبالي مع حاشيتي، قد أرادت أن تنصب لي كمينا فقد أساءت إلى الشرف وأهانت علمها.
إذا نفذت إنكلترا هذا العمل، فمن العبث بعد أن يتكلم الإنكليزيون عن شهامتهم وشرائعهم وحريتهم؛ لأن الوفاء البريطاني يكون قد ضاع في ضيافة بللروفون.
إني ألجأ إلى التاريخ، فسيقول غدا إن عدوا شهر الحرب عشرين سنة على الشعب الإنكليزي جاء بملء اختياره، وفي أيام تعسه، يفتش عن مأوى له تحت شرائعه.
ولكن بأي لسان أجاب الشعب في إنكلترا على مثل هذه الشهامة؟ لقد تظاهر بمد يد مضيافة إلى هذ العدو، ولما سلم نفسه بوفاء وإخلاص ضحي به!»
في السابع من شهر آب ترك الإمبراطور الباخرة بللرفون، ونقل إلى الباخرة نورثنبرلان، التي يقودها المير كوكبرن، فاغتنمت هذه الفرصة لتجريد حاشيته من سلاحها، ولكن بقية من الحياء جعلت سبيلا لاحترام سيفه. أما أمتعته فقد وقف عليها الأميرال نفسه، يعاونه ضابط من ضباط الجمرك، فجرد من أربعة آلاف ليرة ذهبية، ولم يترك له إلا ألف وخمسمائة لتساعده على قضاء حاجات خدمته. وعندما حان الوقت للافتراق عن الأصدقاء الأوفياء الذين قضي عليهم ألا يقاسموه سجنه ومنفاه البعيد، ترامى سافاري باكيا على قدميه وقبل يده. قال لاس كاز: «فعانقه الإمبراطور وهو هادئ ساكن، ومشى إلى الزورق، وكان في الطريق كلما التقى برجل حياه برأسه تحية لطيفة. أما جميع الذين تركناهم وراءنا، فكانوا يبكون، ولم أتمالك أن قلت للورد كيث، الذي كنت أتحدث معه في تلك الآونة: لاحظ يا ميلورد إن الذين يبكون هنا إنما هم الخالدون!»
إلا أن الوزراء الإنكليز استاءوا استياء شديدا من العناية، التي أبداها الأميرال ميتلان وبحريته، نحو نابوليون، لقد وبخوا هذا الأميرال على إعطائه أسيره اللقب الذي كان يحمله وهو على العرش، وأصروا إصرارا صارما على أن لا يكرر هذا العمل بعد على ظهر النورثنبرلان، ثم إنهم صرحوا في تعليماتهم، أن لقب «جنرال» هو وحده الذي يجب أن يطلق على الطاغية المخلوع؛ فلما علم نابوليون بجميع هذه الصغائر صرخ قائلا: «ليطلقوا علي الاسم الذي يختارون، فلن يمنعوني عن أن أكون أنا!»
في الحادي عشر من شهر آب خرجت النورثنبرلان من قناة المانش، ولما مرت على مرتفع رأس الهوغ أبصر نابوليون شواطئ فرنسا، فحياها باسطا ذراعه نحو تلك الشواطئ، وصرخ بصوت متفطر قائلا: «وداعا يا أرض البواسل! وداعا يا فرنسا المحبوبة! بعض خائنين يحذفون منك وتظلين سيدة العالم!» هذه هي الكلمات الأخيرة التي ودع بها الرجل الكبير الأرض النبيلة للشعب الكبير!
Página desconocida